مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

ثم قال تعالى : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } .

واعلم أنه تعالى ذكر جواز الصلح إن أرادا ذلك ، فإن رغبا في المفارقة فالله سبحانه بين جوازه بهذه الآية أيضا ، ووعد لهما أن يغني كل واحد منهما عن صاحبه بعد الطلاق ، أو يكون المعنى أنه يغني كل واحد منهما بزوج خير من زوجه الأول ، ويعيش أهنأ من عيشه الأول .

ثم قال : { وكان الله واسعا حكيما } والمعنى أنه تعالى لما وعد كل واحد منهما بأنه يغنيه من سعته وصف نفسه بكونه واسعا ، وإنما جاز وصف الله تعالى بذلك لأنه تعالى واسع الرزق ، واسع الفضل ، واسع الرحمة ، واسع القدرة ، واسع العلم ، فلو ذكر تعالى أنه واسع في كذا لاختص ذلك بذلك المذكور ، ولكنه لما ذكر الواسع وما أضافه إلى شيء معين دل على أنه واسع في جميع الكمالات ، وتحقيقه في العقل أن الموجود إما واجب لذاته ، وإما ممكن لذاته ، والواجب لذاته واحد وهو الله سبحانه وتعالى ، وما سواه ممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الله الواجب لذاته ، وإذا كان كذلك كان كل ما سواه من الموجودات فإنما يوجد بإيجاده وتكوينه ، فلزم من هذا كونه واسع العلم والقدرة والحكمة ، والرحمة ، والفضل والجود ، والكرم . وقوله { حكيما } قال ابن عباس : يريد فيما حكم ووعظ وقال الكلبي : يريد فيما حكم على الزوج من إمساكها بمعروف أو تسريح بإحسان .