الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

{ وَإِن يَتَفَرَّقَا } يعني عن المرأة بالطلاق { يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } أي من النفقة يعني المرأة بزوج والزوج بإمرأة . { وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً } لهما في النكاح { حَكِيماً } يمكن للزوج إمساكاً بمعروف أو تسريحاً بإحسان .

حكم الآية

علم أن الله عز وجل الرأفة بالعباد وعلمه بأحوالهم فنبّههم على نحو وجب عليهم من حقوق النساء ونهاهم عن الميل في افعالهم إذا لم يكن لهم سبيل إلى التسوية بينهن في المحبة ومتى جمع العبد من الفعل لمال عنه إلى واحدة بعينها دون غيرها كان ذلك جوراً ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم ويقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك وليس أحكم ( فيما لا يملك ) " .

يعني به قلبه ، وكان يطوف به على نسائه في مرضه حتى حلّلته ( نساءه ) فأقام عند عائشة ، وعماد القسم الليل ، لأنه يسكن فيه قال الله تعالى :

{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الْلَّيْلِ } [ الأنعام : 13 ] فمتى كان عند الرجل حرائر مسلمات وذمّيات فهو في القسم سواء ويقسم للحرّة ليلتين ، وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها ، وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى لأنه حقها في خاصة نفسها ولايجامع المرأة في غير يومها ، ولا لرجل أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها ، ولابأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها ، فإن ثقلت فلا بأس أن يقيم حتى تخف أو تموت ثمّ يوفي من بقي من نسائه مثل مابقي عندها ، وإن أراد أن يقسم بين ليلتين ليلتين أو ثلاثاً كان له ذلك .

ذكر إستدلال من إستدل من هذه الآية على تكليف ما لايطاق

قالوا : قال الله عز وجل { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ } فأمرهم الله عز وجل أن يعدلوا ، وأخبر أنهم لايستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بمالا يستطيعون وكلفهم مالا يطيقون .

إن قال قائل : هل كلف الله الكفار مالا يطيقون ؟ قيل له : إن أردت أنه كلفهم مالا يطيقون لعجز حائل وآفة مانعة ، فلا ، لأنه قد صحح أبدانهم وأكمل نطقهم وأوجدهم [ في الأرض ] ودفع عنهم العلل والآفات ، وإن أردت أنه كلّفهم مالا يقدرون عليه بتركهم له واشتغالهم بضدّه ، فقد كلفهم ذلك .

فإن قالوا : أفيقدر الكافر لايتشاغل للكفر ؟ قيل لهم : إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن تؤمن فكأنكم قلتم : يقدر ان يؤمن وهو مقيم على كفره فقد قلنا إنه مادام مشغولاً بكفر ليس بقادر على الإيمان على ما جوزت اللغة من أن الانسان قادر على الفعل بمعنى أنه إن لم يفرط فأثر فيه كما قالوا فلان يقدر على رجل يعني يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله ، نظير قولهم : فلان يفهم أي إنه يفهم الشيء ، إذا أُورد عليه ، وكذلك يقولون : الطعام مشبع ، والماء مروي ، ويعني في ذلك أن الطعام يشبع إذا أُكل .

والماء يروي إذا شرب .

والذي يوضح ذلك ما يتداوله الناس بينهم من قول الرجل : قم معي في حال كذا ، والجواب : لا أقدر على المجيء معك لما أنا فيه من الشغل ، وقد قال الله تعالى

{ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ } [ هود : 20 ] يعني القبول لاستثقالهم إيّاه ، ومن المشتبه من ( قال : ) وهل يقدر الكافر على الإيمان ؟ يقول : إن ارادهُ كان قادراً عليه ، فإذا قال له : فيقدر أن يريده ؟ قال : إن كره الكفر ، وإذا قيل له : هل يقدر على الكفر ؟ قال : يقدر على ذلك إن أراد الإيمان ، فكلّما كرّر عليه السؤال كرّر هذا الجواب .