البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (130)

{ وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته } الضمير في يتفرقا عائد على الزوجين المذكورين في قوله : { وإن امرأة خافت من بعلها } والمعنى : وإن شح كل منهما ولم يصطلحا وتفرّقا بطلاق ، فالله يغني كلاً منهما عن صاحبه بفضله ولطفه في المال والعشرة والسعة .

ووجود المراد والسعة الغنى والمقدرة وهذا وعد بالغنى لكل واحد إذا تفرقا ، وهو معروف بمشيئة الله تعالى .

ونسبة الفعل إليهما يدل على أنّ لكل منهما مدخلاً في التفرق ، وهو التفرق بالأبدان وتراخي المدة بزوال العصمة ، ولا يدل على أنه تفرق بالقول ، وهو طلاق لأنه مختص بالزوج ، ولا نصيب للمرأة في التفرق القولي ، فيسند إليها خلافاً لمن ذهب إلى أنّ التفرق هاهنا هو بالقول وهو الطلاق .

وقرأ زيد بن أفلح : وإن يتفارقا بألف المفاعلة أي : وإن يفارق كل منهما صاحبه .

وهذه الآية نظير قوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقول العرب : إن لم يكن وفاق فطلاق .

فنبه تعالى على أنّ لهما أن يتفارقا ، كما أنّ لهما أن يصطلحا .

ودل ذلك على الجواز قالوا : وفي قوله تعالى : يغن الله كلاً من سعته إشارة إلى الغنى بالمال .

وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما رووا طلقة ذوقة فقيل له في ذلك فقال : إني رأيت الله تعالى علق الغنى بأمرين فقال : { وأنكحوا الأيامى } الآية ، وقال : وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته .

{ وكان الله واسعاً حكيماً } ناسب ذلك ذكر السعة ، لأنه تقدّم من سعته .

والواسع عام في الغنى والقدرة والعلم وسائر الكمالات .

وناسب ذكر وصف الحكمة ، وهو وضع الشيء موضع ما يناسب ، لأن السعة ما لم تكن معها الحكمة كانت إلى فساد أقرب منها للصلاح قاله الراغب .

وقال ابن عباس : يريد فيما حكم ووعظ .

وقال الكلبي : فيما حكم على الزوج من إمساكها بمعروف أو تسريح بإحسان .

وقال الماتريدي : أو حيث ندب إلى الفرقة عند اختلافهما ، وعدم التسوية بينهما .

/خ141