معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

قوله تعالى :{ كتب الله } قضى الله قضاءً ثابتاً ، { لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } نظيره قوله :{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون } ( الصافات 71 ) ، قال الزجاج : غلبة الرسل على نوعين : من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ، ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

ثم بشر - سبحانه - من هم على الحق بأعظم البشارات فقال : { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ، أي : أثبت الله - تعالى - ذلك فى اللوح المحفوظ وقضاه ، وأراد وقوعه فى الوقت الذى يشاؤه .

فالمراد بالكتابة : القضاء والحكم ، وعبر بالكتابة للمبالغة فى تحقق الوقوع .

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية ، أنه لما فتح الله - تعالى - للمؤمنين ما فتح من الأرض ، قال المؤمنون : إنا لنرجو أن يفتح الله لنا فارس والروم .

فقال بعض المنافقين : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التى تغلبتم عليها ، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا ، من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت .

قال الآلوسى : { كَتَبَ الله } أي : أثبت فى اللوح المحفوظ ، أو قضى وحكم . . . وهذا التعبير جار مجرى القسم ، ولذا قال - سبحانه - : { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي } أي : بالحجة والسيف وما يجري مجراه ، أو بأحدهما . . . .

{ إِنَّ الله قَوِيٌّ } على نصر رسله وأوليائه { عَزِيزٌ } لا يغلبه غالب بل هو القاهر فوق عباده .

والمقصود بالآية الكريمة : تقرير سنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف ، وأن النصر سيكون حليفا لأوليائه ، فى الوقت الذى علمه وأراده .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

ولما كان أولئك المنافقون يأوون إلى اليهود شعورا منهم بأنهم قوة تخشى وترجى . ويطلبون عندهم العون والمشورة . فإن الله ييئسهم منهم ، ويقرر أنه كتب على أعدائه الذلة والهزيمة ، وكتب لنفسه ولرسوله الغلبة والتمكين :

( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين . كتب الله لأغلبن أنا ورسلي . إن الله قوي عزيز ) . . وهذا وعد الله الصادق الذي كان والذي لا بد أن يكون على الرغم مما قد يبدو أحيانا من الظاهر الذي يخالف هذا الوعد الصادق .

فالذي وقع بالفعل أن الإيمان والتوحيد قد غلبا على الكفر والشرك . واستقرت العقيدة في الله في هذه الأرض ؛ ودانت لها البشرية بعد كل ما وقف في طريقها من عقبات الشرك والوثنية ، وبعد الصراع الطويل مع الكفر والشرك والإلحاد . وإذا كانت هناك فترات عاد فيها الإلحاد أو الشرك إلى الظهور في بعض بقاع الأرض - كما يقع الآن في الدول الملحدة والوثنية - فإن العقيدة في الله ظلت هي المسيطرة بصفة عامة . فضلا على أن فترات الإلحاد والوثنية إلى زوال مؤكد ، لأنها غير صالحة للبقاء . والبشرية تهتدي في كل يوم إلى أدلة جديدة تهدي إلى الاعتقاد في الله والتمكين لعقيدة الإيمان والتوحيد .

والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة . فإذا كان الواقع الصغير في جيل محدود أو في رقعة محدودة يخالف تلك الحقيقة ، فهذا الواقع هو الباطل الزائل . الذي يوجد فترة في الأرض لحكمة خاصة . لعلها استجاشة الإيمان وإهاجته لتحقيق وعد الله في وقته المرسوم .

وحين ينظر الإنسان اليوم إلى الحرب الهائلة التي شنها أعداء الإيمان على أهل الإيمان في صورها المتنوعة ، من بطش ومن ضغط ومن كيد بكل صنوف الكيد في عهود متطاولة ، بلغ في بعضها من عنف الحملة على المؤمنين أن قتلوا وشردوا وعذبوا وقطعت أرزاقهم وسلطت عليهم جميع أنواع النكاية . ثم بقي الإيمان في قلوب المؤمنين ، يحميهم من الانهيار ، ويحمي شعوبهم كلها من ضياع شخصيتها وذوبانها في الأمم الهاجمة عليها ، ومن خضوعها للطغيان الغاشم إلا ريثما تنقض عليه وتحطمه . . حين ينظر الإنسان إلى هذا الواقع في المدى المتطاول يجد مصداق قول الله تعالى . يجده في هذا الواقع ذاته بدون حاجة إلى الانتظار الطويل ! !

وعلى أية حال فلا يخالج المؤمن شك في أن وعد الله هو الحقيقة الكائنة التي لا بد أن تظهر في الوجود ، وأن الذين يحادون الله ورسوله هم الأذلون ، وأن الله ورسله هم الغالبون . وأن هذا هو الكائن والذي لا بد أن يكون . ولتكن الظواهر غير هذا ما تكون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

وقوله : { كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي }يقول : قضى الله وخطّ في أمّ الكتاب ، لأغلبنّ أنا ورسلي مَن حادّني وشاقّني . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي . . . }الآية ، قال : كتب الله كتابا وأمضاه .

وقوله : { إنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } يقول : إن الله جلّ ثناؤه ذو قوّة وقدرة على كلّ من حادّه ، ورسوله أن يهلكه ، ذو عزّة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه ، أو عاقبه ، أو أصابه في نفسه بسوء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

وجملة { كتب الله لأغلبن } علة لجملة { أولئك في الأذلين } أي لأن الله أراد أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم غالباً لأعدائه وذلك من آثار قدرة الله التي لا يغلبها شيء وقد كتب لجميع رسله الغلبة على أعدائهم ، فغلبتهم من غلبة الله إذ قدرة الله تتعلق بالأشياء على وفق إرادته وإرادة الله لا يغيّرها شيء ، والإِرادة تجري على وفق العلم ومجموع توارد العلم والإِرادة والقدرة على الموجود هو المسمى بالقضاء . وهو المعبر عنه هنا ب { كتب الله } لأن الكتابة استعيرت لمعنى : قضى الله ذلك وأراد وقوعه في الوقت الذي علمه وأراده فهو محقق الوقوع لا يتخلف مثل الأمر الذي يراد ضبطه وعدم الإِخلال به فإنه يكتب لكِي لا ينسى ولا ينقص منه شيء ولا يجحد التراضي عليه .

فثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم الغلبة لشمول ما كتبه الله لرسله إياه وهذا إثبات لغلبة رسوله أقواماً يحادُّونه بطريق برهاني .

فجملة { لأغلبن } مصوغة صيغة القول ترشيحاً لاستعارة { كتب } إلى معنى قضى وقدر . والمعنى : قضى مدلول هذه الجملة ، أي قضى بالغلبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكأن هذه الجملة هي المكتوبة من الله . والمراد : الغلبة بالقوة لأن الكلام مسوق مساق التهديد . وأما الغلبة بالحجة فأمر معلوم .

وجملة { إن الله قوي عزيز } تعليل لجملة { لأغلبن } لأن الذي يغالب الغالب مغلوب . قال حسان :

زعمت سَخينةُ أنْ ستغلبُ ربّها *** وليُغْلَبَنّ مُغالب الغلاّب