اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

قوله تعالى :{ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي } .

يجوز أن يكون «كَتَبَ » جرى مجرى القسم ، فأجيب بما يجاب به{[55796]} .

وقال أبو البقاء{[55797]} : وقيل : هي جواب «كتب » ؛ لأنه بمعنى «قال » .

وهذا ليس بشيء ؛ لأن «قال » لا يقتضي جواباً ، فصوابه ما تقدم .

ويجوز أن يكون «لأغلبن » جواب قسم مقدر ، وليس بظاهر .

فصل في تفسير الآية :

قال المفسرون{[55798]} :{ كتب الله لأغلبن }أي : قضى الله ذلك .

وقيل :كتب في اللوح المحفوظ قاله قتادة{[55799]} .

وقال الفراء : «كتب » بمعنى «قال » .

وقوله : «أنا » توكيد ، «ورسلي » من بعث منهم بالحرب ، فإن الرسول بالحرب غالب ، ومن بعث منهم بالحُجّة غالب أيضاً ، فإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالحرب كان أغلب وأقوى .

قال مقاتل : قال المؤمنون : لئن فتح الله لنا «مكة » و«الطائف » و«خيبر » وما حولهن رجَوْنَا أن يظهرنا الله - تعالى - على «فارس » و«الروم » ، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول : أتظنون «الروم » و«فارس » كبعض القرى التي غلبتم عليها ، والله إنهم لأكثر عدداً وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت :{ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسلي }{[55800]} .

ونظيره : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } ، [ الصافات : 171 - 173 ] .

قوله : { ورسلي } .

قرأ نافع وابن عامر{[55801]} بفتح «الياء » .

والباقون : لا يحركون .

قال أبو علي{[55802]} : «التَّحريك والإسكان جميعاً حسنان » .

وقوله تعالى :{ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } قوي على نُصْرة أنبيائه «عَزِيزٌ » غالب لا يدفعه أحد عن مُرَاده{[55803]} .


[55796]:الدر المصون 6/290.
[55797]:ينظر التبيان ص 1213.
[55798]:ينظر: القرطبي 17/198.
[55799]:أخرجه الطبري بمعناه (12/25) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/274)، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[55800]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/198).
[55801]:ينظر: السبعة 629، والحجة 6/282، وإعراب القراءات 2/356، والعنوان 187، وشرح الطيبة 6/46، وشرح شعلة 600، وإتحاف 2/527.
[55802]:الحجة للقراء السبعة 6/282.
[55803]:ينظر: الفخر الرازي 29/240.