التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} (21)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 14 ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 15 ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( 16 ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 17 ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( 18 )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 19 ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( 20 ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 21 ) } .

تعليق على الآية :

{ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } ، والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين .

عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون ، ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين . وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم . وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين ، وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل ، وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما .

والآيات فصل جديد ، وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد . وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فأخذ يحلف أنه لم يفعل{[2170]} .

والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات ، غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد ، وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول ، ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال . فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة .

وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود .

والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة .

ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها .

والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها . والله اعلم .

ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك ، والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة .


[2170]:انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والاسم في تفسير البغوي