ثم بين أن التحريم والتحليل يكون بالوحي والتنزيل ، فقال : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } . أي شيء محرما ، وروي أنهم قالوا : فما المحرم إذاً فنزل : { قل } يا محمد { لا أجد في ما أوحي إلي محرما } .
قوله تعالى : { على طاعم يطعمه } ، آكل يأكله .
قوله تعالى : { إلا أن يكون ميتةً } ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر { تكون } بالتاء ، { ميتة } رفع أي : إلا أن تقع ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزة { تكون } بالتاء ، { ميتة } نصب على تقدير اسم مؤنث ، أي : إلا أن تكون النفس ، أو : الجثة ميتة ، وقرأ الباقون { يكون } بالياء { ميتة } نصب ، يعني إلا أن يكون المطعوم ميتة .
قوله تعالى : { أو دماً مسفوحاً } ، أي : مهراقاً سائلاً ، قال ابن عباس : يريد ما خرج من الحيوان ، وهن أحياء ، وما يخرج من الأوداج عند الذبح ، ولا يدخل فيه الكبد والطحال ، لأنهما جامدان ، وقد جاء الشرع بإباحتهما ، ولا ما اختلط باللحم من الدم ، لأنه غير سائل . قال عمران بن جرير : سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم ، وعن القدر يرى فيهما حمرة الدم ، فقال : لا بأس به ، إنما نهى عن الدم المسفوح . وقال إبراهيم : لا بأس بالدم في عرق أو مخ ، إلا المسفوح الذي تعمد ذلك . وقال عكرمة : لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما يتبع اليهود .
قوله تعالى : { أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به } . وهو ما ذبح على غير اسم الله تعالى ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن التحريم مقصور على هذه الأشياء ، يروى ذلك عن عائشة وابن عباس قالوا : ويدخل في الميتة المنخنقة والموقوذة ، وما ذكر في أول سورة المائدة .
وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختص بهذه الأشياء ، بل المحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا ، وذلك معنى قوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } ، وقد حرمت السنة أشياء يجب القول بها . منها : ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، ثنا عبد الغافر بن محمد ، ثنا محمد بن عيسى الجلودي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج قال : ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، أخبرنا أبي ، أنا شعبة عن الحكم ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، ثنا زاهر بن أحمد ، ثنا أبو إسحاق الهاشمي ، ثنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أكل كل ذي ناب من السباع حرام ) .
والأصل عند الشافعي : أن ما لم يرد فيه نص تحريم أو تحليل ، فإن كان مما أمر الشرع بقتله كما قال : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ) ، أو نهى عن قتله ، كما روي أنه ( نهى عن قطع النخلة ، وقتل النملة فهو حرام ) وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب من عادات العرب ، فما يأكله الأغلب منهم فهو حلال ، وما لا يأكله الأغلب منهم فهو حرام ، لأن الله تعالى خاطبهم بقوله : { قل أحل لكم الطيبات } فثبت أن ما استطابوه فهو حلال .
قوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم } ، أباح الله كل هذه المحرمات عند الاضطرار في غير العدوان .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم ، وبيان أن ما يتقولونه فى أمر التحريم افتراء محض - بعد كل ذكل أمره بأن يبين لهم ما حمره الله عليهم فقال : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي . . . . } .
أى : { قُل } يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب فى أمر التحليل والتحريم وغيرهما { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } .
أى : لا أجد فيما أوحاه الله إلى من القرآن طعاما محرما على أكل يريد أن يأكله من ذكر أو أنثى رداً على قولهم { مُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا } والجملة الكريمة تفيد أن طريق التحريم والتحليل إنما هو الوحى وليس مجرد الهوى والتشهى ، وأن الأصل فى الأشياء الحل إلا أن يرد نص بالتحريم .
و { مُحَرَّماً } صفة لموصوف محذوف ، أى : شيئاً محرما ، أو طعاما محرما ، وهو المفعول الأول لأجد ، أما المفعول الثانى فهو { فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ } قدم للاهتمام به .
وقوله { يَطْعَمُهُ } فى موضع الصفة لطاعم جىء به قطعا للمجاز كما فى قوله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ثم بين - سبحانه - ما حرمه فقال : { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } .
أى : لا أجد فيما أوحاه الله إلى الآن شيئاً محرما من المطاعم إلا أن يكون هذا الشىء أو ذلك الطعام { مَيْتَةً } أى : بهيمة ماتت حتف أنفها .
{ أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } أى : دما مصبوبا سائلا كالدم الذى يخرج من المذبوح عند ذبحه ، لا الدم الجامد كالكبد والطحال ، والسفح : الصب والسيلان .
{ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ } أى اللحم لأنه المحدث عنه ، أو الخنزير لأنه الأقرب أو جميع ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير .
{ رِجْسٌ } أى : قذر خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان { أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } أى : خروجا عن الدين ، لكونه عند ذبحه قد ذكر عليه غير اسمه - تعالى - من صنم أو وثن أو طاغون أو نحو ذلك .
والإهلال : رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا ، ومنه إهلال الصبى ، والإهلال بالحج ، وكانوا فى الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها - كاللات والعزى - ورفعوا بها أصواتهم ، وسمى ذلك إهلالا .
وإنما سمى { مَاأُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } فسقا ، لتوغله فى باب الفسق ، والخروج عن الشريعة الصحيحة ، ومنه قوله - تعالى - ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) .
ثم بين - سبحانه - حكم المضطر فقال : { فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } .
أى : فمن أصابته ضرورة قاهرة ألجأته إلى الأكل من هذه الأشياء المحرمة حالة كونه غير باغ فى أكله ، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره . أو غير طالب له للذته ، أو على جهة الاستئثار به على مضطر آخر بأن ينفرد بتناوله فيها عن الآخر .
أو حالة كونه - أيضاً - غير عاد فيما يأكل ، أى : غير متجاوز سد الجوعة فلا إثم عليه فى هذه الأحوال .
وباغ : مأخوذ من البغاء وهو الطلب تقول : بغيته بغاء وبغى بغية وبغية أى : طلبته .
وعاد : اسم فاعل بمعنى متعد ، تقول : فلان عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره فهو عاد ، ومنه قوله - تعالى - { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } وقوله { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى : فإن ربك واسع المغفرة والرحمة لا يؤاخذ المضطرين ، ولا يكلف الناس بما فوق طاقتهم ، وإنما هو رءوف رحيم بهم يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر .
والجملة الكريمة جواب الشرط باعتبار لازم المعنى وهو عدم المؤاخذة . وقيل جواب الشرط محذوف : أى فمن اضطر ، فلا مؤاخذة عليه وهذه الجملة تعليل له .
هذا ، والآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات فى هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين فيما حرموه بغير علم من البحائر والسوائب وغيرها .
قال ابن كثير : الغرض من سياق هذه الآية الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك . فأمر - تعالى - رسوله أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم ، وأن الذى حرمه هو الميتة وما ذكر معها وما عدا ذلك فلم يحرم ، وإنما هو عفو مسكوت عنه . فكيف تزعمون أنه حرام ؟ ! ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله - تعالى - ؟ ! وعلى هذا فلا ينفى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا . كما جاء النهى عن الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذى مخلب من الطير " .
وقال القرطبى : والآية مكية ، ولم يكن فى الشريعة فى ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد فى المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وغير ذلك ، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير ، وقد اختلف العلماء فى حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال :
الأول : ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية وكل محرم حرمه رسول الله أو جاء فى الكتاب مضموم إليها ، فهو زيادة حكم من الله على لسان نبيه . على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأثر " .
والخلاصة : أن الآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات فى هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين ، وذلك أن الكفار . كما قال الإمام الشافعى - لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرمه الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال - سبحانه - لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول : لا تأكل اليوم حلاوة .
فتقول : لا أكل اليوم إلا الحلاوة ، والغرض المضادة لا للنفى والإثبات على الحقيقة .
فهو - تعالى - لم يقصد ما وراء الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل .
قال إمام الحرمين : وهذا فى غاية الحسن ، ولولا سبق الشافعى إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك - رضى الله عنه - فى حصر المحرمات فيما ذكرته الآية " .
وفى حكم هذه الآية وتأويلها أقوال أخرى بسطها العلماء فارجع إليها إذا شئت .
والآن وقد كشف لهم عما في معتقداتهم وتصوراتهم وتصرفاتهم من وهن وسخف وهزال . وقد بين لهم أنها لا تقوم على علم ولا بينة ولا أساس . وقد ردهم إلى نشأة الحرث والأنعام التي يتصرفون فيها من عند أنفسهم ، أو بوحي شياطينهم وشركائهم ، بينما هؤلاء لم يخلقوها لهم ، إنما الذي خلقها لهم هو الله ، الذي يجب أن تكون له وحده الحاكمية فيما خلق وفيما رزق ، وفيما أعطى من الأموال للعباد . .
الآن يقرر لهم ما حرمه الله عليهم من هذا كله . ما حرمه الله حقاً عن بينة ووحي ، لا عن ظن ووهم . والله هو صاحب الحاكمية الشرعية ، الذي إذا حرم الشيء فهو حرام ، وإذا أحله فهو حلال ؛ بلا تدخل من البشر ولا مشاركة ولا تعقيب في سلطان الحاكمية والتشريع . . وبالمناسبة يذكر ما حرمه الله على اليهود خاصة ، وأحله للمسلمين ، فقد كان عقوبة خاصة لليهود على ظلمهم وبعدهم عن شرع الله !
( قل : لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ميتة ، أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير - فإنه رجس - أو فسقاً أهل لغير الله به . فمن اضطر - غير باغ ولا عاد - فإن ربك غفور رحيم . وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما - إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم - ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون . فإن كذبوك فقل : ربكم ذو رحمة واسعة ، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ) . .
" يقول - جل ثناؤه - لنبيه محمد [ ص ] قل ، يا محمد ، لهؤلاء الذين جعلوا الله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله . والقائلين : هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء - بزعمهم - والمحرمين من أنعام أخر ظهورها ، والتاركين ذكر اسم الله على أخر منها . والمحرمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ، ومُحليه لذكورهم . المحرمين ما رزقهم الله افتراء على الله ؛ وإضافة ما يحرمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرمه عليهم : أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم ، فأنبئونا به ، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له ، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك ، ولا يمكنكم دعواه ، لأنكم إذا ادعيتموه علم الناس كذبكم . فإني لا أجد فيما أوحي إلي من كتابه وآي تنزيله شيئاً محرماً على آكل يأكله ، مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها - بزعمكم - إلا أن يكون( ميتة ) ، قد ماتت بغير تذكية ، أو ( دماً مسفوحاً ) ، وهو المنصبّ ، أو إلا أن يكون لحم خنزير ( فإنه رجس ) . . ( أو فسقا ) " يقول : أو إلا أن يكون فسقاً ، يعني بذلك : أو إلا أن يكون مذبوحاً ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر اسم وثنه . فإن ذلك الذبح فسق ، نهى الله عنه وحرمه ، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك لأنه ميتة .
" وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به ، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله ، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال أحله الله ؛ وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله " . .
وقال في تأويل قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ) :
. . . " أن معناه : فمن اضطر إلى أكل ما حرم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير ، أو ما أهل لغير الله به ، غير باغ في أكله إياه تلذذاً ، لا لضرورة حالة من الجوع ؛ ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله ، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك . . لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه . . فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك . ( فإن الله غفور ) فيما فعل من ذلك ، فساتر عليه ، بتركه عقوبته عليه . ولو شاء عاقبة عليه . ( رحيم ) بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه . ولو شاء حرمه عليه ومنعه منه " .
أما حد الاضطرار الذي يباح فيه الأكل من هذه المحرمات ؛ والمقدار المباح منها فحولهما خلافات فقهية . . فرأي أنه يباح ما يحفظ الحياة فقد عند خوف الهلاك لو امتنع . . ورأي أنه يباح ما يحقق الكفاية والشبع . . ورأي أنه يباح فوق ذلك ما يدخر لأكلات أخرى إذا خيف انقطاع الطعام . . ولا ندخل في تفصيلات الفروع . . فهذا القدر منها يكفي في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيّ مُحَرّماً عَلَىَ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ رَبّكَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ولشركائهم من الاَلهة والأنداد مثله والقائلين هَذهِ أنعامٌ وحرْثٌ حِجْرٌ لا يطْعمُها إلاّ مَنْ نشاءُ بِزَعمِهمْ والمحرّمين من أنعام أُخَر ظهورها ، والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها ، والمحرّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحلّية لذكورهم ، المحرّمين ما رزقهم الله افتراء على الله ، وإضافة منهم ما يحرّمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرّمه عليهم : أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم ، فأنبئونا به ، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرّمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادّعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه ، لأنكم إذا ادّعيتموه علم الناس كذبكم ، فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله شيئا محرّما على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرّمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرّم عليكم منها بزعمكم ، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دما مسفوحا وهو المنصبّ أو إلا أن يكون لحم خنزير . فإنّه رِجْسٌ أو فِسْقا يقول : أو إلا أن يكون فسقا ، يعني بذلك : أو إلا أن يكون مذبوحا ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه ، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرّمه ، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك ، لأنه ميتة . وهذا إعلام من الله جلّ ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبيّ الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله ، وأن الذي زعموا أن الله حرّمه حلال قد أحله الله ، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أِل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، في قوله : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما قال : كان أهل الجاهلية يحرّمون أشياء ويحلون أشياء ، فقال : قل لا أجد مما كنتم تحرّمون وتستحلون إلا هذا إلاّ أنْ يكونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا أوْ لحمَ خِنزِيرٍ فإنّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقا أُهِلّ لِغيرِ اللّهِ بِهِ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، في قوله : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما . . . الاَية ، قال : كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرّمون أشياء ، فقال الله لنبيه : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما مما كنتم تستحلون إلا هذا وكانت أشياء يحرّمونها فهي حرام الاَن .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مْحَرّما على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ قال : ما يؤكل . قلت : في الجاهلية ؟ قال : نعم وكذلك كان يقول : إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا . قال ابن جريج : وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد : قُلْ لا أجدُ فيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما قال : مما كان في الجاهلية يأكلون ، لا أجد محرّما من ذلك على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا .
وأما قوله : أوْ دَما مَسْفُوحا فإن معناه : أو دما مسالاً مُهَراقا ، يقال منه : سفحت دمه : إذا أرقته ، أسفحه سَفْحا ، فهو دم مسفوح ، كما قال طرفة بن العبد :
إنّي وَجَدّكَ ما هَجَوْتُكَ والْ ***أنْصَابِ يُسْفَحُ فَوْقَهُنّ دَمُ
إذَا ما عادَهُ مِنّا نِساءٌ ***سَفَحْنَ الدّمْعَ مِنَ بعدِ الرّنِينِ
يعني : صببن ، وأسلن الدمع . وفي اشتراطه جلّ ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره ، الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحا فحلال غير نجس . وذلك كالذي :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة : أوْ دَما مَسْفُوحا قال : لولا هذه الاَية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة بنحوه ، إلا أنه قال : لاتبع المسلمون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة بنحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : أخبرنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، في القِدر يعلوها الحمرة من الدم ، قال : إنما حرّم الله الدم المسفوح .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : سألته عن الدم ، وما يتلطخ بالمذبح من الرأس ، وعن القدر يرى فيها الحمرة ، قال : إنما نهى الله عن الدم المسفوح .
حدثنا محمدبن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أوْ دَما مَسْفُوحا قال : حرّم الدم ما كان مسفوحا وأما لحم خالطه دم فلا بأس به .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا يعني مُهَراقا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أخبرني ابن دينار ، عن عكرمة : أوْ دَما مَسْفُوحا قال : لولا هذه الاَية لتتبع المسلمون عروق اللحم ما تتبعها اليهود .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة : أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسا ، والحمرة والدم يكونان على القدر بأسا . وقرأت هذه الاَية : قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليّ مُحَرّما على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ . . . الاَية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يحيى بن سعيد ، ثني القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت ، وذكرت هذه الاَية أوْ دَما مَسْفُوحا قلت : وإن البُرْمة ليرى في مائها الصفرة .
وقد بينا معنى الرجس فيما مضى من كتابنا هذا ، وأنه النجس والنتن ، وما يعصى الله به ، بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكذلك القول في معنى الفسق ، وفي قوله : أُهِلّ لغيرِ اللّهِ بِهِ قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفق لفهمه عن تكراره وإعادته .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة : إلاّ أنْ يَكُونَ بالياء مَيْتَةً مخففة الياء منصوبة على أن في يكون مجهولاً ، والميتة فعل له فنصبت على أنها فعل يكون ، وذكروا يكون لتذكير المضمر في «يكون » . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والكوفة : «إلاّ أنْ تَكُونَ » بالتاء «مَيْتَةً » بتخفيف الياء من الميتة ونصبها . وكأن معنى نصبهم الميتة معنى الأوّلين ، وأنثوا تكون لتأنيث الميتة ، كما يقال : إنها قائمة جاريتك ، وإنه قائم جاريتك ، فيذكر المجهول مرّة ويؤنث أخرى لتأنيث الاسم الذي بعده . وقرأ ذلك بعض المدنيين : «إلاّ أنْ تَكُونَ مَيّتَةٌ » بالتاء في «تكون » ، وتشديد الياء من «ميتة » ورفعها ، فجعل «الميتة » اسم «تكون » ، وأنث «تكون » لتأنيث «الميتة » ، وجعل «تكون » مكتفية بالاسم دون الفعل ، لأنه قوله : «إلاّ أنْ تَكُونَ مَيْتَةً » استثناء ، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال ، فيقولون : قام الناس إلا أن يكون أخاك ، وإلا أن يكون أخوك ، فلا تأتي ليكون بفعل ، وتجعلها مستغنية بالاسم ، كما يقال : قام القوم إلا أخاك وإلا أخوك ، فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلاً .
والصواب من القراءة في ذلك عندي : إلاّ أنْ يَكُونَ بالياء مَيْتَةً بتخفيف الياء ونصب الميتة ، لأن الذي في «يكون » من المكنىّ من ذكر المذكر ، وإنما هو : قُلْ لا أجد فيما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ذلك ميتة أو دما مسفوحا . فأما قراءة «ميتةٌ » بالرفع ، فإنه وإن كان في العربية غير خطأ فإنه في القراءة في هذا الموضع غير صواب ، لأن الله يقول : أوْ دَما مَسْفُوحا فلا خلاف بين الجميع في قراءة الدم بالنصب ، وكذلك هو في مصاحب المسلمين ، وهو عطف على «الميتة » . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الميتة لو كانت مرفوعة لكان الدم وقوله «أو فسقا » مرفوعين ، ولكنها منصوبة فيعطف بهما عليها بالنصب .
القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ باغٍ وعلا عادٍ فإنّ رَبّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله : فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ باعٍ وَلا عادٍ . والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأن معناه : فمن اضطّر إلى أكل ما حرّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير ، أو ما أهلّ لغير الله به ، غير باغ في أكله إياه تلذّذا ، لا لضرورة حالة من الجوع ، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حدّه الله وأباحه له من أكله ، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه ، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك . فإنّ اللّهَ غَفُورٌ فيما فعل من ذلك ، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه ، ولو شاء عاقبه عليه . رَحِيمٌ باباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه ، ولوشاء حرمه عليه ومنعه منه .
هذا أمر من الله عز وجل بأن يشرع للناس جميعاً ويبين عن الله ما أوحي إليه ، وهذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، فإن هذه وإن كانت في حكم الميتة فكان في النظر احتمال أن تلحق بالمذكيات لأنها بأسباب وليست حتف الأنف{[5129]} ، فلما بين النص إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرمات ، ثم نزل النص على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر بوحي غير مُنْجَز ، وبتحريم كل ذي ناب من السباع ، فهذه كلها زيادات في التحريم ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور إلى غاية المنع والحظر ، وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها ، فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع عليه الكل منهم ولم يضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وأمضاه الناس على أذلاله{[5130]} وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ولحق بالخنزير والميتة ، وهذه صفة تحريم الخمر وما اقترنت به قرينة ألفاظ الحديث واختلفت الأمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام «كل ذي ناب من السباع حرام »{[5131]} .
وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع{[5132]} ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهية ونحوها ، وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنها نجس ، وتأول بعضهم ذلك لئلا تفنى حمولة الناس ، وتأول بعضهم التحريم المحض ، وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها .
وروي عن ابن عامر أنه قرأ «فيما أَوحَى إلي » بفتح الهمزة والحاء وقرأ جمهور الناس يطعمه وقرأ أبو جعفر محمد بن علي «يطّعِمه » بتشديد الطاء وكسر العين ، وقرأ محمد بن الحنفية وعائشة وأصحاب عبد الله «طعمه » بفعل ماض ، وقرأ نافع والكسائي وأبو عمرو وعاصم «إلا أن يكون » بالياء على تقدير إلا أن يكون المطعوم ، وقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو أيضاً «إلا أن تكون » بالتاء من فوق «ميتة » على تقدير إلا أن تكون المطعومة ، وقرأ ابن عامر وحده وذكرها مكي عن ابي جعفر «إلا أن تكون » بالتاء «ميتةٌ » بالرفع على أن تجعل «تكون » بمعنى تقع ، ويحتاج على هذه القراءة أن يعطف { أو دماً } على موضع «أن تكون » ، لأنها في موضع نصب بالاستثناء ، والمسفوح الجاري الذي يسيل ، وجعل الله هذا فرقاً بين القليل والكثير ، والمسفوح : السائل من الدم ونحوه ، ومنه قول الشاعر وهو طرفة :
إذا ما عَادهُ مِنّا نِساءٌ . . . سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بعْدِ الرَّنِينِ{[5133]}
وإن شفائي عبرة إن سفحتها . . . وهل عند رسم دارس من معول{[5134]}
فالدم المختلط باللحم ، والدم الخارج من مرق اللحم ، وما شاكل هذا حلال ، والدم غير المسفوح هو هذا وهو معفوّ عنه ، وقيل لأبي مجلز في القدر تعلوها الحمرة من الدم قال : إنما حرم الله المسفوح ، وقالت نحوه عائشة وغيرها وعليه إجماع العلماء .
وقيل : الدم حرام لأنه إذا زايل فقد انسفخ ، و «الرجس » النتن والحرام ، يوصف بذلك الأجرام والمعاني كما قال عليه السلام : «دعوها فإنها منتنة »{[5135]} ؛ الحديث ، فكذلك قيل في الأزلام والخمر رجس ، والرجس أيضاً العذاب لغة بمعنى الرجز ، وقوله { أو فسقاً } يريد ذبائحهم التي يختصون بها أصنامهم ، وقوله تعالى : { فمن اضطر } الآية ، أباح الله فيها مع الضرورة ركوب المحظور دون بغي .
واختلف الناس فيم ذا ؟ فقالت فرقة دون أن يبغي الإنسان في أكله فيأكل فوق ما يقيم رمقه وينتهي إلى حد الشبع وفوقه ، وقالت فرقة : بل دون أن يبغي في أن يكون سفره في قطع طريق أو قتل نفس أو يكون تصرفه في معصية فإن ذلك لا رخصة له ، وأما من لم يكن بهذه الأحوال فاضطر فله أن يشبع ويتزود ، وهذا مشهور قول مالك بن أنس رحمه الله ، وقال بالأول الذي هو الاقتصار على سد الرمق عبد المالك بن حبيب رحمه الله ، وقوله { فإن ربك غفور رحيم } إباحة تعطيها قوة اللفظ{[5136]} .