قوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } الآيات .
لمَّا بيَّن فساد طريقة أهْل الجاهليَّة فيما يُحَلُّ ويُحَرَّم من المطعُومَات - أتْبَعهُ بالبيان الصَّحِيح .
رُوي أنهم قالوا : فما المُحَرَّمُ إذن ؟ فنزل : قل يا محمد : " لا أجِدُ في ما أوحِي إليَّ " شيئاً " مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه " أي : آكِل يَأكُلُه .
قوله : " مُحَرَّماً " منصوب بقوله : " لا أجِدُ " وهو صِفَة لمَوْصُوف محذوف ؛ حذف لدلالة قوله : " على طَاعِم يَطْعَمُهُ " ، والتقدير : لا أجد طعاماً مُحَرّماً ، و " عَلَى طَاعِمٍ " متعلِّق ب " مُحَرَّماً " ، و " يَطْعَمُهُ " في محل جرِّ صِفَة ل " طَاعِم " .
وقرأ{[15434]} الباقر ونقلها مكيِّ{[15435]} عن أبي جَعْفَر - : " يَطَّعِمُهُ " بتشديد الطَّاءِ ، وأصلها " يتطعمه " افتعال من الطعم ، فأبدلت التاء طاءً لوقوعها بعد طاء للتقارب ، فوجب الإدغام .
وقرأت{[15436]} عائشة ، ومحمَّد بن الحَنَفِيَّة ، وأصحاب عَبْد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنهم : " تَطَعَّمه " بالتاء من فَوْق وتشديد العَيْن فعلاً مَاضِياً .
قوله : " إلاَّ أنْ يكُون " مَنْصُوب على الاسْتثْنَاء ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتَّصِل قال أبو البقاء{[15437]} : " استثناء من الجنْس ، وموضعُه نَصْب ، أي : لا أجد مُحَرَّماً إلا المَيْتَة " .
والثاني : أنه مُنْقَطِع ، قال مكِّي{[15438]} : " وأن يكُون في مَوْضِع نَصْب على الاستِثْناء المُنْقَطع " .
وقال أبو حيان{[15439]} : و " إلاَّ أنْ يكون " استثناء مُنْقَطِع ؛ دلائله كَوْن ، وما قَبْلَه عين ، ويَجُوز أنْ يكُون مَوْضِعُه نَصْباً بدلاً على لُغَة تَمِيم ، ونَصْباً على الاستثناء على لُغَة الحِجَاز ، يعني أن الاستثنْاء المُنْقَطِع في لُغَتان :
إحداهما : لغة الحَجَاز ، وهو وُجُوب النَّصْبِ مطلقاً .
وثانيتهما : لغة التَّمِيمِيّين - يجعلونه كالمُتَّصِل ، فإن كان في الكلامِ نَفْيٌ أو شبْهُه ، رُجِّح البدل ، وهُنَا الكلام نَفْيٌ فيترَجَّحُ نَصْبُه عند التَّممِيميِّين على البدل ، دُون النَّصْب على الاسْتثْنَاء ؛ فنصْبه من وَجْهَين ، وأمَّا الحِجَاز : فنصبه عِنْدهم من وجْهٍ وَاحِد ، وظاهِر كلام أبي القَاسِم الزَّمَخْشَريِّ أنه مُتَّصِل ؛ فإنه قال{[15440]} : " مُحَرَّماً " أي : طعَاماً مُحَرَّماً من المطاعِم التي حَرَّمْتُمُوهَا إلاَّ أن يكُون مَيْتَة ، أي : إلاَّ أن يكون الشَّيء المُحَرَّم مَيْتة .
وقرأ ابن{[15441]} عامر في روايةٍ : " أوحَى " بفتح الهمزة والحَاءِ مبنيا للفَاعِل ؛ وقوله تعالى : { قُل ءَآلذَّكَرَيْنِ } وقوله : " نَبِّئُونِي " ، وقوله أيضاً : " آلذّكَرَيْن " ثانياً ، وقوله : " أمْ كُنْتُم شُهَدَاء " جمل اعْتِرَاض بين المَعْدُودَات الَّتِي وَقَعت تَفْصِيلاً لِثَمانِيَة أزْواج .
قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[15442]} : " فإن قُلْت : كيف فَصَل بين المَعْدُود وبين بَعْضِه ولم يُوَالِ بَيْنَه ؟ .
قلت : قد وقع الفَاصِل بَيْنَهُما اعْتِرَاضاً غير أجْنَبيٍّ من المَعْدُود ؛ وذلك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ- مَنَّ على عِبَاده بإنْشَاء الأنْعام لمَنَافِعهِم وبإياحتها لَهُم ، فاعترض بالاحْتِجَاج على مَنْ حَرَّمها ، والاحْتِجَاجُ على مَنْ حَرَّمَها تأكيدٌ وتَشديدٌ للتَّحْلِيل ، والاعْتِراضَات في الكلامِ لا تُسَاقُ إلا للتَّوْكِيد " .
وقرأ ابن عامر{[15443]} : " إلاَّ أنْ تكُون مَيْتَةٌ " بالتَّأنيث ورفع " مَيْتَةٌ " يعني : إلا أن يوجَد مَيْتَةٌ ، فتكون تَامَّة عِنْدَه ، ويَجُوز أن تكون النَّاقِصَة والخبرُ محذوف ، تقديرهُ : إلا أنْ يَكُون هُنَاك مَيْتَة ، وقد تقدَّم أن هذا مَنْقُولٌ عن الأخْفَشِ في قوله قبل ذلك { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } [ الأنعام : 139 ] .
وقال أبو البقاء{[15444]} : " ويقرأ برفع " مَيْتَةٌ " على أن تكون تامَّة ، وهو ضعيف ؛ لأن المَعْطُوف مَنْصُوب " .
قال شهاب الدِّين : كيف يُضَعِّف قراءة مُتواتِرة ؟ وأما قوله : " لأن المَعْطُوف مَنْصُوب " فذلك غير لازم ؛ لأن النَّصْب على قِرَاءة مَنْ رَفَع " مَيْتَة " يكون نَسَقاً على مَحَلِّ " أنْ تَكُون " الواقِعَة مسْتَثْنَاة ، تقديره : إلاَّ أن يَكُون مَيْتَة ، وإلا دماً مَسْفُوحاً ، وإلاَّ لَحْم خِنْزِير .
وقال مكِّي{[15445]} : وقرأ أبو جعفر{[15446]} : " إلاَّ أنْ تكُون " بالتَّاء ، " مَيْتَةٌ " بالرفع ثم قال : وكان يَلْزَم أبَا جَعْفَر أن يَقْرَأ " أوْ دَمٌ " بالرفع ، وكذلك ما بَعْدَه .
قال شهاب الدين{[15447]} : هذه قِراءة ابن عامر ، نَسَبَها لأبي جَعْفَر يزيد بن القَعْقاع المَدَنِي شَيْخُ نَافِع ؛ وهو مُحْتَمل ، وقوله : " كان يَلْزَمُه " إلى آخره هو مَعْنى ما ضَعَّفَ به أبُو البقاء هذه القراءة ، وتقدَّم جواب ذلك ، واتَّقَق أنَّ ابن عامرٍ يقرأ : { وَإِن تَكُنْ مَيْتَةٌ } بالتَّأنيث والرَّفْع وهنا كذلك .
وقرأ ابن كثير وحمزة : " تَكُون " بالتَّأنيث ، " مَيْتَة " بالنَّصْب على أن اسْم " تكُونَ " مُضْمَر عَائِدٌ على مُؤنَّث أي : إلا أن يكُون المَأكُولُ أوالنَّفْسُ أو الجُثَّةُ مَيْتَة ، ويجوز أن يَعُود الضَّمِير من " تكُون " على " مُحَرَّماً " وإنَّما أنَّث الفعل لتأنيث الخبر ؛ كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن } [ الأنعام : 23 ] بنصب " فِتْنَتِهم " وتأنيث " تَكُنْ " .
وقرأ الباقون : " يَكُونَ " بالتَّذْكير ، " مَيْتِةً " نصباً ، واسم " يَكُون " يعود على قوله : " مُحَرَّماً " أي : إلاَّ أنْ يَكُون ذلك المُحَرَّم ، وقدّره أبُو البقاء{[15448]} ومَكِّي{[15449]} وغيرُهما : " إلاَّ أنْ يكُون المَأكولُ " ، أو " ذَلِك مَيْتَةً " .
قوله : " أو دَماً مَسْفُوحاً " " دماً " على قرءاة العامَّة : معطوفُ على خبر " يَكُون " وهو " مَيْتَة " وعلى قراءة ابن عامرٍ وأبي جعفرك معطوف على المُسَتَثْنَى ، وهو " أنْ يَكُون " وقد تقدَّم تحرير ذلك .
و " مَسْفُوحاً " صفة ل " دَماً " والسَّفْحُ : الصبُّ ، وقيل : " السَّيَلان " ، وهو قريبٌ من الأول ، و " سَفَحَ " يستعمل قاصِراً ومتعدِّياً ؛ يقال : سَفَحَ زيدٌ دَمْعَه ودَمَهُ ، أي : أهْرَاقَه ، وسَفَح هُو ، إلاَّ أن الفَرق بينهما وَقَع باخْتِلاف المَصدر ، ففي المُتعدِّي يقال : سَفْح وفي اللاَّزِم يقال : سُفُوح ، ومن التّعَدِّي قوله تعالى : { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } ؛ فإن اسْم المفعُول التَّامّ لا يُبْنَى إلا مِنْ مُتَعَدِّ ، ومن اللُّزُوم ما أنْشَده أبو عبيدة لِكُثَيِّر عَزَّة : [ الطويل ]
أقُولُ وَدَمْعِي وَاكِفٌ عِنْدَ رَسْمِهَا *** عَلَيْك سلامُ اللَّهِ والدَّمْعُ يَسْفَحُ{[15450]}
قال القرطبي{[15451]} : " هذه الآية الكَرِيمة مَكِّيَّة ، ولم يَكُن في الشَّريعة في ذلك الوَقْت مُحَرَّم غير هذه الأشْيَاء ، ثم نزلت سُورة " المائدة " ب " المدينة " وزيد في المُحَرَّمات ؛ كالمُنْخَنِقَة ، والموْقُوذَة والمُتَرَدِّية ، والنَّطِيحَة ، والخَمْر ، وغير ذلك ، وحرَّم رسُول الله صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَة أكْلَ كلِّ ذي نَابٍ من السِّبَاع ، ومِخْلَب من الطِّيْر " .
قال ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- : يريد بالدَّم المَسْفُوح : ما خَرَج من الحيوان وهي أحْيَاء ، وما يَخْرُج من الأوْدَاج عن الذَّبْح ، ولا يَدْخُل فيه الكَبد والطُّحال ؛ لأنهما جَامِدَات وقد جاء الشَّرْع بإباحَتِهما ، وما اخْتلط باللَّحم من الدَّم ؛ لأنه غير سَائل{[15452]} .
قال عِمْرَان بن حُدير : " سألْت أبا مجلز عمَّا يَخْتَلِطُ باللَّحْم من الدَّمِ ، وعن القِدْر يُرَى فيها حُمْزة الدِّمِ ، فقال : لا بَأسَ به ، إنما نُهِي عن الدَّمِ المَسْفُوح " {[15453]} .
قال إبْرَاهيم : " لا بأسَ بالدَّم في عِرْق أوْ مُخّ ، إلاَّ المَسْفُوح الذي يتعمد ذلك " {[15454]} .
قال عكرمة : " لوْلا هَذِه الآية لاتَّبع المُسْلِمُون من العُرُوق ما تَتبع اليَهُود " {[15455]} .
وقوله : { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } أي : حَرَامٌ ، والهاء " في " فإنَّه " الظاهر عَوْدُها على " لَحْمَ " المضاف ل " خنْزير " .
وقال ابن حزم : إنها تعُود على خنزير ؛ لأنه أقَرْب مَذْكُور .
ورُجِّحَ الأوَّل : بأنَّ اللَّحم هو المُحَدَّث عنه ، والخِنْزير جاء بعَرْضِيَّة الإضافة إليه ، ألآ ترى أنَّك إذا قُلْت : " رأيت غُلام زَيْد فأكْرَمْتُه " أنَّ الهاء تعُود على الغُلام ؛ لأنه المُحَدَّث عنه المَقْصُود بالإخْبار عنه ، لا على زَيْد ؛ لأنه غير مَقْصُود .
ورُجِّح الثاني : بأن التَّحْريم المُضَاف إلى الخَنْزير ليس مُخْتَصاً بلحمه ، بل شَحْمه وشَعْره وعَظْمِه وظلفه كذلك ، فإذا أعَدْنَا الضَّمِير على خنزير ، كان وافياً بهذا المَقْصُود ، وإذا أعدْنَاهُ على لحم ، لم يكن في الآية الكريمة تَعَرُّضٌ لتَحْرِيم ما عَدَا اللَّحم ممَّا ذكر .
وأُجيب : بأنَّه إنما اللَّحْم دون غيره ، - وإن كان غيره مَقْصُوداً بالتحريم - ؛ لأنَّه أهَمُّ ما فيه ، وأكثر ما يُقْصَد منه اللَّحم كَغَيره من الحَيَوانات ، وعلى هذا فلا مَفْهُوم لتَخْصِيص اللَّحْم بالذِّكر ، ولو سَلَّمَه ، فإنه يكون من باب مَفْهُوم اللَّقَب ، وهو ضَعِيف جداً .
وقوله : " فإنَّهُ رِجْسٌ " إمَّا على المُبَالغَة بأن جُعِلَ نَفْسَ الرِّجْس ، أو على حَذْف مضافٍ ، وله نَظَائر .
قوله : " أوْ فِسْقاً " فيه ثلاثة أوجُه :
أحدها : أنه عَطْف على خَبَر " يَكُون " أيضاً ، أي : إلا أن يكُون فِسْقاً . و " أهلَّ " في محل نصب ؛ لأنه صِفَة له ؛ كأنه قيل : أو فِسْقاً مُهَلاًّ به لِغَيْر اللَّه ، جعل العَيْن المُحرَّمَة نَفْس الفِسْق ؛ مُبَالغَة ، أو على حَذْف مُضَافٍ ، ويُفَسِّره ما تقدَّم من قوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } .
الثاني : أنه مَنْصُوب عَطْفا على محلِّ المسْتَثْنَى ، أي : إلا أنْ يكون مَيْتَة أو إلاَّ فِسْقاً ، وقوله : " فإنَّه رِجْسٌ " اعْتِرَاض بين المُتعاطِفَيْن .
والثالث : أن يكون مَفْعُولاً من أجْلِه ، والعَامِل فيه قوله : " أهِلَّ " مقدَّمٌ عليه ، ويكون قد فَصَل بين حَرْف العَطْفِ وهو " أو " ، وبَيْن المَعْطُوف وهو الجملة من قوله : " أهِلَّ " بهذا المَفْعُول من أجْلِه ؛ ونظيره في تَقْدِيم المَفْعُول له على عَامِلهِ قوله : [ الطويل ]
طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إلى البيضِ أطْربُ *** وَلاَ لعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ{[15456]}
و " أهِلَّ " على هذا الإعْرَاب عَطْفٌ على " يكون " والضَّمِير في " به " عائدٌ على ما عَادَ عليه الضَّمِيرُ المُسْتَتِر في " يَكُون " ، وقد تقدم تَحْقِيقه ، قاله الزمخشري{[15457]} .
إلاَّ أن أبا حيَّان{[15458]} تعقَّب عليه ذلك ؛ فقال : " وهذا إعْرَاب متكَلِّفٌ جداً ، وترْكِيبُه على هذا الإعراب خارج عن الفَصَاحةِ ، وغير جَائزٍ على قراءة من قرأ " إلا أنْ يكُون مَيْتَةٌ " بالرَّفْع ، فيبقى الضَّمير في " به " لَيْس له ما يَعُود عليه ، ولا يجوز أن يُتكَلَّف مَحْذُوف حتى يَعُود الضَّمير عليه ، فيكون التَّقْدير : أو شَيءٌ أهِلَّ لِغَيْر الله به ، لأن مِثْل هذا لا يَجُوز إلاَّ في ضَرُورة الشِّعْر " .
قال شهاب الدِّين{[15459]} : يَعْنِي بذلك : أنَّه لا يُحْذَف الموصُوف والصِّفَة جُمْلَةً ، إلا إذا كان في الكلام " مِنْ " التَّبْعِيضيَّة ؛ كقولهم " " مِنَّا ظَعَنَ ومنَّا أقَام " أي : منا فَريقٌ ظعن ، ومنَّا فَرِيقٌ أقَام فإن لم يكن فيه " مِنْ " كان ضَرورة ؛ كقوله : [ الزجر ]
تَرْمِي بِكَفِّيْ كانَ مِنْ أرْمَى البَشَرْ{[15460]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي : بكفَّي رَجُلِ ؛ وهذا رأي بَعضهم ، وأما غَيْرَه فَيَقُول : متى دلَّ على المَوْصُوف ، حُذَِف مُطْلقاً ، فقد يجُوز أن يَرَى الزَّمَخْشَري هذا الرَّأي .
فصل في هل التحريم مَقْصُور على هذه الأشياء ؟
ذهب بَعْض أهل العِلْم إلى أن التَّحْريم مَقْصُور على هذه الأشياء ؛ يُرْوَى ذلك عن عَائِشة وابن عبَّاس - رضي الله عنهما- قالوا : ويَدْخل في المَيْتَة المُنْخَنقَة والموْقُوذة وما ذكر [ في أوَّل سُورة المائدة ، وأكْثَر العُلماء على أنَّ التَّحْرِيم لا يختصُّ بهذه الأشياء مما ذكر ، فالمحرم بنص الكتاب ما ذكر ]{[15461]} ههنا ، وقد حرّمت السُّنة أشْيَاء :
منها : ما روى ابْن عبَّاس - رضي الله عنهما- ؛ قال : " نَهى رسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ من السِّباع ، وكُلِّ ذي مِخْلَبٍ من الطَّيْر " .
ومنها : ما أمر بِقَتْلِه بقوله : " خَمْس فواسِق تُقْتَل في الحِلِّ والحَرَم " {[15462]} .
ومنها : ما نَهَى عن قَتْلِه ؛ كنَهْيه عن قَتْل النَّحْلَة والنَّمْلة ؛ فهو حَرَامٌ ، وما سوى ذلك فَيُرْجَع إلى الأغْلَب فيه من عَادَات العرب ، فما يأكله الأغْلَب مِنْهُم ، فهو حلالٌ ، وما لا يَأكُلُه الأغْلَب منهم ، فهو حَرَام ؛ لأن الله - تبارك وتعالى- خاطَبَهم بقوله : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات } [ المائدة : 4 ] فما اسْتَطَابُواه فهو حلال .
وقوله : { فَمَنِ اضطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
أباح هذه المُحَرَّمَاتِ عند الاضْطِرار في غير العُدوان ، وتقدم الكلام على نَظِيرها في البقرة .