اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

قوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } الآيات .

لمَّا بيَّن فساد طريقة أهْل الجاهليَّة فيما يُحَلُّ ويُحَرَّم من المطعُومَات - أتْبَعهُ بالبيان الصَّحِيح .

رُوي أنهم قالوا : فما المُحَرَّمُ إذن ؟ فنزل : قل يا محمد : " لا أجِدُ في ما أوحِي إليَّ " شيئاً " مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه " أي : آكِل يَأكُلُه .

قوله : " مُحَرَّماً " منصوب بقوله : " لا أجِدُ " وهو صِفَة لمَوْصُوف محذوف ؛ حذف لدلالة قوله : " على طَاعِم يَطْعَمُهُ " ، والتقدير : لا أجد طعاماً مُحَرّماً ، و " عَلَى طَاعِمٍ " متعلِّق ب " مُحَرَّماً " ، و " يَطْعَمُهُ " في محل جرِّ صِفَة ل " طَاعِم " .

وقرأ{[15434]} الباقر ونقلها مكيِّ{[15435]} عن أبي جَعْفَر - : " يَطَّعِمُهُ " بتشديد الطَّاءِ ، وأصلها " يتطعمه " افتعال من الطعم ، فأبدلت التاء طاءً لوقوعها بعد طاء للتقارب ، فوجب الإدغام .

وقرأت{[15436]} عائشة ، ومحمَّد بن الحَنَفِيَّة ، وأصحاب عَبْد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنهم : " تَطَعَّمه " بالتاء من فَوْق وتشديد العَيْن فعلاً مَاضِياً .

قوله : " إلاَّ أنْ يكُون " مَنْصُوب على الاسْتثْنَاء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه مُتَّصِل قال أبو البقاء{[15437]} : " استثناء من الجنْس ، وموضعُه نَصْب ، أي : لا أجد مُحَرَّماً إلا المَيْتَة " .

والثاني : أنه مُنْقَطِع ، قال مكِّي{[15438]} : " وأن يكُون في مَوْضِع نَصْب على الاستِثْناء المُنْقَطع " .

وقال أبو حيان{[15439]} : و " إلاَّ أنْ يكون " استثناء مُنْقَطِع ؛ دلائله كَوْن ، وما قَبْلَه عين ، ويَجُوز أنْ يكُون مَوْضِعُه نَصْباً بدلاً على لُغَة تَمِيم ، ونَصْباً على الاستثناء على لُغَة الحِجَاز ، يعني أن الاستثنْاء المُنْقَطِع في لُغَتان :

إحداهما : لغة الحَجَاز ، وهو وُجُوب النَّصْبِ مطلقاً .

وثانيتهما : لغة التَّمِيمِيّين - يجعلونه كالمُتَّصِل ، فإن كان في الكلامِ نَفْيٌ أو شبْهُه ، رُجِّح البدل ، وهُنَا الكلام نَفْيٌ فيترَجَّحُ نَصْبُه عند التَّممِيميِّين على البدل ، دُون النَّصْب على الاسْتثْنَاء ؛ فنصْبه من وَجْهَين ، وأمَّا الحِجَاز : فنصبه عِنْدهم من وجْهٍ وَاحِد ، وظاهِر كلام أبي القَاسِم الزَّمَخْشَريِّ أنه مُتَّصِل ؛ فإنه قال{[15440]} : " مُحَرَّماً " أي : طعَاماً مُحَرَّماً من المطاعِم التي حَرَّمْتُمُوهَا إلاَّ أن يكُون مَيْتَة ، أي : إلاَّ أن يكون الشَّيء المُحَرَّم مَيْتة .

وقرأ ابن{[15441]} عامر في روايةٍ : " أوحَى " بفتح الهمزة والحَاءِ مبنيا للفَاعِل ؛ وقوله تعالى : { قُل ءَآلذَّكَرَيْنِ } وقوله : " نَبِّئُونِي " ، وقوله أيضاً : " آلذّكَرَيْن " ثانياً ، وقوله : " أمْ كُنْتُم شُهَدَاء " جمل اعْتِرَاض بين المَعْدُودَات الَّتِي وَقَعت تَفْصِيلاً لِثَمانِيَة أزْواج .

قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[15442]} : " فإن قُلْت : كيف فَصَل بين المَعْدُود وبين بَعْضِه ولم يُوَالِ بَيْنَه ؟ .

قلت : قد وقع الفَاصِل بَيْنَهُما اعْتِرَاضاً غير أجْنَبيٍّ من المَعْدُود ؛ وذلك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ- مَنَّ على عِبَاده بإنْشَاء الأنْعام لمَنَافِعهِم وبإياحتها لَهُم ، فاعترض بالاحْتِجَاج على مَنْ حَرَّمها ، والاحْتِجَاجُ على مَنْ حَرَّمَها تأكيدٌ وتَشديدٌ للتَّحْلِيل ، والاعْتِراضَات في الكلامِ لا تُسَاقُ إلا للتَّوْكِيد " .

وقرأ ابن عامر{[15443]} : " إلاَّ أنْ تكُون مَيْتَةٌ " بالتَّأنيث ورفع " مَيْتَةٌ " يعني : إلا أن يوجَد مَيْتَةٌ ، فتكون تَامَّة عِنْدَه ، ويَجُوز أن تكون النَّاقِصَة والخبرُ محذوف ، تقديرهُ : إلا أنْ يَكُون هُنَاك مَيْتَة ، وقد تقدَّم أن هذا مَنْقُولٌ عن الأخْفَشِ في قوله قبل ذلك { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } [ الأنعام : 139 ] .

وقال أبو البقاء{[15444]} : " ويقرأ برفع " مَيْتَةٌ " على أن تكون تامَّة ، وهو ضعيف ؛ لأن المَعْطُوف مَنْصُوب " .

قال شهاب الدِّين : كيف يُضَعِّف قراءة مُتواتِرة ؟ وأما قوله : " لأن المَعْطُوف مَنْصُوب " فذلك غير لازم ؛ لأن النَّصْب على قِرَاءة مَنْ رَفَع " مَيْتَة " يكون نَسَقاً على مَحَلِّ " أنْ تَكُون " الواقِعَة مسْتَثْنَاة ، تقديره : إلاَّ أن يَكُون مَيْتَة ، وإلا دماً مَسْفُوحاً ، وإلاَّ لَحْم خِنْزِير .

وقال مكِّي{[15445]} : وقرأ أبو جعفر{[15446]} : " إلاَّ أنْ تكُون " بالتَّاء ، " مَيْتَةٌ " بالرفع ثم قال : وكان يَلْزَم أبَا جَعْفَر أن يَقْرَأ " أوْ دَمٌ " بالرفع ، وكذلك ما بَعْدَه .

قال شهاب الدين{[15447]} : هذه قِراءة ابن عامر ، نَسَبَها لأبي جَعْفَر يزيد بن القَعْقاع المَدَنِي شَيْخُ نَافِع ؛ وهو مُحْتَمل ، وقوله : " كان يَلْزَمُه " إلى آخره هو مَعْنى ما ضَعَّفَ به أبُو البقاء هذه القراءة ، وتقدَّم جواب ذلك ، واتَّقَق أنَّ ابن عامرٍ يقرأ : { وَإِن تَكُنْ مَيْتَةٌ } بالتَّأنيث والرَّفْع وهنا كذلك .

وقرأ ابن كثير وحمزة : " تَكُون " بالتَّأنيث ، " مَيْتَة " بالنَّصْب على أن اسْم " تكُونَ " مُضْمَر عَائِدٌ على مُؤنَّث أي : إلا أن يكُون المَأكُولُ أوالنَّفْسُ أو الجُثَّةُ مَيْتَة ، ويجوز أن يَعُود الضَّمِير من " تكُون " على " مُحَرَّماً " وإنَّما أنَّث الفعل لتأنيث الخبر ؛ كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن } [ الأنعام : 23 ] بنصب " فِتْنَتِهم " وتأنيث " تَكُنْ " .

وقرأ الباقون : " يَكُونَ " بالتَّذْكير ، " مَيْتِةً " نصباً ، واسم " يَكُون " يعود على قوله : " مُحَرَّماً " أي : إلاَّ أنْ يَكُون ذلك المُحَرَّم ، وقدّره أبُو البقاء{[15448]} ومَكِّي{[15449]} وغيرُهما : " إلاَّ أنْ يكُون المَأكولُ " ، أو " ذَلِك مَيْتَةً " .

قوله : " أو دَماً مَسْفُوحاً " " دماً " على قرءاة العامَّة : معطوفُ على خبر " يَكُون " وهو " مَيْتَة " وعلى قراءة ابن عامرٍ وأبي جعفرك معطوف على المُسَتَثْنَى ، وهو " أنْ يَكُون " وقد تقدَّم تحرير ذلك .

و " مَسْفُوحاً " صفة ل " دَماً " والسَّفْحُ : الصبُّ ، وقيل : " السَّيَلان " ، وهو قريبٌ من الأول ، و " سَفَحَ " يستعمل قاصِراً ومتعدِّياً ؛ يقال : سَفَحَ زيدٌ دَمْعَه ودَمَهُ ، أي : أهْرَاقَه ، وسَفَح هُو ، إلاَّ أن الفَرق بينهما وَقَع باخْتِلاف المَصدر ، ففي المُتعدِّي يقال : سَفْح وفي اللاَّزِم يقال : سُفُوح ، ومن التّعَدِّي قوله تعالى : { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } ؛ فإن اسْم المفعُول التَّامّ لا يُبْنَى إلا مِنْ مُتَعَدِّ ، ومن اللُّزُوم ما أنْشَده أبو عبيدة لِكُثَيِّر عَزَّة : [ الطويل ]

أقُولُ وَدَمْعِي وَاكِفٌ عِنْدَ رَسْمِهَا *** عَلَيْك سلامُ اللَّهِ والدَّمْعُ يَسْفَحُ{[15450]}

فصل فيما كان محرماً بمكة

قال القرطبي{[15451]} : " هذه الآية الكَرِيمة مَكِّيَّة ، ولم يَكُن في الشَّريعة في ذلك الوَقْت مُحَرَّم غير هذه الأشْيَاء ، ثم نزلت سُورة " المائدة " ب " المدينة " وزيد في المُحَرَّمات ؛ كالمُنْخَنِقَة ، والموْقُوذَة والمُتَرَدِّية ، والنَّطِيحَة ، والخَمْر ، وغير ذلك ، وحرَّم رسُول الله صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَة أكْلَ كلِّ ذي نَابٍ من السِّبَاع ، ومِخْلَب من الطِّيْر " .

فصل في معنى الدم المسفوح

قال ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- : يريد بالدَّم المَسْفُوح : ما خَرَج من الحيوان وهي أحْيَاء ، وما يَخْرُج من الأوْدَاج عن الذَّبْح ، ولا يَدْخُل فيه الكَبد والطُّحال ؛ لأنهما جَامِدَات وقد جاء الشَّرْع بإباحَتِهما ، وما اخْتلط باللَّحم من الدَّم ؛ لأنه غير سَائل{[15452]} .

قال عِمْرَان بن حُدير : " سألْت أبا مجلز عمَّا يَخْتَلِطُ باللَّحْم من الدَّمِ ، وعن القِدْر يُرَى فيها حُمْزة الدِّمِ ، فقال : لا بَأسَ به ، إنما نُهِي عن الدَّمِ المَسْفُوح " {[15453]} .

قال إبْرَاهيم : " لا بأسَ بالدَّم في عِرْق أوْ مُخّ ، إلاَّ المَسْفُوح الذي يتعمد ذلك " {[15454]} .

قال عكرمة : " لوْلا هَذِه الآية لاتَّبع المُسْلِمُون من العُرُوق ما تَتبع اليَهُود " {[15455]} .

وقوله : { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } أي : حَرَامٌ ، والهاء " في " فإنَّه " الظاهر عَوْدُها على " لَحْمَ " المضاف ل " خنْزير " .

وقال ابن حزم : إنها تعُود على خنزير ؛ لأنه أقَرْب مَذْكُور .

ورُجِّحَ الأوَّل : بأنَّ اللَّحم هو المُحَدَّث عنه ، والخِنْزير جاء بعَرْضِيَّة الإضافة إليه ، ألآ ترى أنَّك إذا قُلْت : " رأيت غُلام زَيْد فأكْرَمْتُه " أنَّ الهاء تعُود على الغُلام ؛ لأنه المُحَدَّث عنه المَقْصُود بالإخْبار عنه ، لا على زَيْد ؛ لأنه غير مَقْصُود .

ورُجِّح الثاني : بأن التَّحْريم المُضَاف إلى الخَنْزير ليس مُخْتَصاً بلحمه ، بل شَحْمه وشَعْره وعَظْمِه وظلفه كذلك ، فإذا أعَدْنَا الضَّمِير على خنزير ، كان وافياً بهذا المَقْصُود ، وإذا أعدْنَاهُ على لحم ، لم يكن في الآية الكريمة تَعَرُّضٌ لتَحْرِيم ما عَدَا اللَّحم ممَّا ذكر .

وأُجيب : بأنَّه إنما اللَّحْم دون غيره ، - وإن كان غيره مَقْصُوداً بالتحريم - ؛ لأنَّه أهَمُّ ما فيه ، وأكثر ما يُقْصَد منه اللَّحم كَغَيره من الحَيَوانات ، وعلى هذا فلا مَفْهُوم لتَخْصِيص اللَّحْم بالذِّكر ، ولو سَلَّمَه ، فإنه يكون من باب مَفْهُوم اللَّقَب ، وهو ضَعِيف جداً .

وقوله : " فإنَّهُ رِجْسٌ " إمَّا على المُبَالغَة بأن جُعِلَ نَفْسَ الرِّجْس ، أو على حَذْف مضافٍ ، وله نَظَائر .

قوله : " أوْ فِسْقاً " فيه ثلاثة أوجُه :

أحدها : أنه عَطْف على خَبَر " يَكُون " أيضاً ، أي : إلا أن يكُون فِسْقاً . و " أهلَّ " في محل نصب ؛ لأنه صِفَة له ؛ كأنه قيل : أو فِسْقاً مُهَلاًّ به لِغَيْر اللَّه ، جعل العَيْن المُحرَّمَة نَفْس الفِسْق ؛ مُبَالغَة ، أو على حَذْف مُضَافٍ ، ويُفَسِّره ما تقدَّم من قوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } .

الثاني : أنه مَنْصُوب عَطْفا على محلِّ المسْتَثْنَى ، أي : إلا أنْ يكون مَيْتَة أو إلاَّ فِسْقاً ، وقوله : " فإنَّه رِجْسٌ " اعْتِرَاض بين المُتعاطِفَيْن .

والثالث : أن يكون مَفْعُولاً من أجْلِه ، والعَامِل فيه قوله : " أهِلَّ " مقدَّمٌ عليه ، ويكون قد فَصَل بين حَرْف العَطْفِ وهو " أو " ، وبَيْن المَعْطُوف وهو الجملة من قوله : " أهِلَّ " بهذا المَفْعُول من أجْلِه ؛ ونظيره في تَقْدِيم المَفْعُول له على عَامِلهِ قوله : [ الطويل ]

طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إلى البيضِ أطْربُ *** وَلاَ لعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ{[15456]}

و " أهِلَّ " على هذا الإعْرَاب عَطْفٌ على " يكون " والضَّمِير في " به " عائدٌ على ما عَادَ عليه الضَّمِيرُ المُسْتَتِر في " يَكُون " ، وقد تقدم تَحْقِيقه ، قاله الزمخشري{[15457]} .

إلاَّ أن أبا حيَّان{[15458]} تعقَّب عليه ذلك ؛ فقال : " وهذا إعْرَاب متكَلِّفٌ جداً ، وترْكِيبُه على هذا الإعراب خارج عن الفَصَاحةِ ، وغير جَائزٍ على قراءة من قرأ " إلا أنْ يكُون مَيْتَةٌ " بالرَّفْع ، فيبقى الضَّمير في " به " لَيْس له ما يَعُود عليه ، ولا يجوز أن يُتكَلَّف مَحْذُوف حتى يَعُود الضَّمير عليه ، فيكون التَّقْدير : أو شَيءٌ أهِلَّ لِغَيْر الله به ، لأن مِثْل هذا لا يَجُوز إلاَّ في ضَرُورة الشِّعْر " .

قال شهاب الدِّين{[15459]} : يَعْنِي بذلك : أنَّه لا يُحْذَف الموصُوف والصِّفَة جُمْلَةً ، إلا إذا كان في الكلام " مِنْ " التَّبْعِيضيَّة ؛ كقولهم " " مِنَّا ظَعَنَ ومنَّا أقَام " أي : منا فَريقٌ ظعن ، ومنَّا فَرِيقٌ أقَام فإن لم يكن فيه " مِنْ " كان ضَرورة ؛ كقوله : [ الزجر ]

تَرْمِي بِكَفِّيْ كانَ مِنْ أرْمَى البَشَرْ{[15460]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : بكفَّي رَجُلِ ؛ وهذا رأي بَعضهم ، وأما غَيْرَه فَيَقُول : متى دلَّ على المَوْصُوف ، حُذَِف مُطْلقاً ، فقد يجُوز أن يَرَى الزَّمَخْشَري هذا الرَّأي .

فصل في هل التحريم مَقْصُور على هذه الأشياء ؟

ذهب بَعْض أهل العِلْم إلى أن التَّحْريم مَقْصُور على هذه الأشياء ؛ يُرْوَى ذلك عن عَائِشة وابن عبَّاس - رضي الله عنهما- قالوا : ويَدْخل في المَيْتَة المُنْخَنقَة والموْقُوذة وما ذكر [ في أوَّل سُورة المائدة ، وأكْثَر العُلماء على أنَّ التَّحْرِيم لا يختصُّ بهذه الأشياء مما ذكر ، فالمحرم بنص الكتاب ما ذكر ]{[15461]} ههنا ، وقد حرّمت السُّنة أشْيَاء :

منها : ما روى ابْن عبَّاس - رضي الله عنهما- ؛ قال : " نَهى رسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ من السِّباع ، وكُلِّ ذي مِخْلَبٍ من الطَّيْر " .

ومنها : ما أمر بِقَتْلِه بقوله : " خَمْس فواسِق تُقْتَل في الحِلِّ والحَرَم " {[15462]} .

ومنها : ما نَهَى عن قَتْلِه ؛ كنَهْيه عن قَتْل النَّحْلَة والنَّمْلة ؛ فهو حَرَامٌ ، وما سوى ذلك فَيُرْجَع إلى الأغْلَب فيه من عَادَات العرب ، فما يأكله الأغْلَب مِنْهُم ، فهو حلالٌ ، وما لا يَأكُلُه الأغْلَب منهم ، فهو حَرَام ؛ لأن الله - تبارك وتعالى- خاطَبَهم بقوله : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات } [ المائدة : 4 ] فما اسْتَطَابُواه فهو حلال .

وقوله : { فَمَنِ اضطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أباح هذه المُحَرَّمَاتِ عند الاضْطِرار في غير العُدوان ، وتقدم الكلام على نَظِيرها في البقرة .


[15434]:ينظر: الدر المصون 3/204، البحر المحيط 4/242.
[15435]:ينظر: المشكل 1/296.
[15436]:ينظر: البحر المحيط 4/242، المحرر الوجيز 2/356، الدر المصون 3/204.
[15437]:ينظر: الإملاء 1/264.
[15438]:ينظر: المشكل 1/296.
[15439]:ينظر: البحر المحيط 4/242.
[15440]:ينظر: الكشاف 2/74.
[15441]:ينظر: الدر المصون 3/204.
[15442]:ينظر: الكشاف 2/74.
[15443]:ينظر: الحجة لأبي زرعة 276 النشر 2/266 السبعة 272 المشكل 1/275 الفراء 1/360 إعراب القراءات 1/172 إتحاف 2/37 التبيان 1/545 الدر المصون 3/204.
[15444]:ينظر: الإملاء 1/264.
[15445]:ينظر: المشكل 1/8296.
[15446]:ينظر: البحر المحيط 4/242، والدر المصون 3/204 والمحرر الوجيز 2/356.
[15447]:ينظر: الدر المصون 3/204.
[15448]:ينظر: الإملاء 1/263.
[15449]:ينظر: المشكل 1/296.
[15450]:ينظر: ديوانه ص 463، تفسير الفخر الرازي 13/222، الدر المصون 3/205.
[15451]:ينظر: القرطبي 7/76.
[15452]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/97) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
[15453]:ينظر: القرطبي 7/81.
[15454]:ينظر: المصدر السابق.
[15455]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (5/379) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/97) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عكرمة.
[15456]:تقدم.
[15457]:ينظر: الكشاف 2/75.
[15458]:ينظر: البحر المحيط 4/244.
[15459]:ينظر: الدر المصون 3/205.
[15460]:ينظر: الخصائص 2/367 المحتسب 2/227، ابن يعيش 3/59، الإنصاف 115، المغني 1/160، الدر المصون 3/206.
[15461]:سقط في أ.
[15462]:أخرجه البخاري (6/408) كتاب بدء الخلق: باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم (3314) ومسلم (2/856) كتاب الحج: باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم حديث (67/1198) من حديث عائشة وقد خرجنا هذا الحديث تخريجا تفصيليا في تعليقنا على بداية المجتهد لابن رشد وخرجنا له شواهد كثيرة.