غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

141

ثم لما بيّن فساد طريقة الجاهلية فيما يحل ويحرم من المطاعم أتبعه البيان الصحيح في الباب فقال : { قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً } أي طعاماً محرماً { على طاعم يطعمه } على آكل يأكله { إلا أن يكون } ذلك المأكول أو الموجود أو الطعام { ميتة أو دماً مسفوحاً } مصبوباً سائلاً . قال ابن عباس : يريد ما خرج من الأنعام وهي أحياء وما خرج من الأوداج عند الذبح فلا يدخل فيه الكبد والطحال لجمودهما ، وما يختلط باللحم من الدم فإنه غير سائل . وسئل أبو مجلز عما يتلطّخ باللحم من الدم وعن القدر التي ترى فيها حمرة الدم فقال : لا بأس به إنما النهي عن الدم المسفوح . وباقي الآية ظاهر مما سلف في أمثالها ، وانتصاب { فسقاً } على أنه معطوف على المنصوبات قبله ، و{ أهل } صفة له منصوبة المحل سمي ما أهل به لغير الله فسقاً لتوغله في باب الفسق كما يقال : فلان كرم وجود . وجوز أن يكون { فسقاً } مفعولاً له من { أهل } وعلى هذا فقد عطف { أهل } على { يكون } والضمير في { به } يعود إلى ما يرجع إليه المستكن في { يكون } قالت العلماء : إن هذه السورة مكية وقد بيّن في الآية أنه لم يجد فيما أوحي إليه قرآناً أو غيره محرماً سوى هذه الأربعة ، وقد أكد هذا بما في النحل وفي البقرة مصدرة بكلمة «إنما » الدالة على الحصر فصارت المدنية مطابقة للمكية ، والذي جاء في المائدة { حرمت عليكم الميتة والدم } إلى قوله : { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } [ المائدة : 3 ] من أقسام الميتة ولكنه خص بالذكر لأنهم كانوا يحكمون على تلك الأشياء بالتحليل فثبت أن الشريعة من أولها إلى آخرها كانت مستقرة على هذا الحكم . وعلى هذا الحصر بقي الكلام في الخمر وفي سائر النجاسات والمستقذرات فنقول : إنه سبحانه قد وصف الخمر بأنه رجس وهاهنا علل تحريم لحم الخنزير بكونه رجساً فعلمنا أن النجاسة علة لتحريم الأكل وكل نجس فإنه يحرم أكله ، هذا بعد إجماع الأمة على تحريم الخبائث والنجاسات . وإن جوزنا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد كما روي أنه صلى الله عليه وآله نهى عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور . فلا إشكال . وقيل : المراد أن وقت نزول هذه الآية لم يكن محرم على اليهود وزيف بأن تحريم شيء خامس نسخ والأصل عدمه .

/خ150