تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

الآية 145 وقوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } قوله تعالى : { قل لا أجد } يحتمل وجهين :

أحدهما : أي لا أجد مما تحرمون أنتم في ما أوحي إلي ، وأما مما لا تحرمون [ فإنني أجد ]{[7869]} .

والثاني : { لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } في وقت ، ثم وجده في وقت آخر . وأيهما كان فليس فيه دليل حل سوى ما ذكر في الآية على ما يقوله بشر .

وقوله تعالى : { لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } مثل هذا الخطاب لا يكون إلا في معهود سؤال . وإلا مثل هذا الخطاب لا يستقيم على الابتداء . فإن كان في معهود فهو يخرج جواب ما كانوا يحرمون من أشياء من الأنعام والحرث ، وما ذكر في الآيات التي تقدم ذكرها ، وما كانوا يحرمون في البحيرة والوصيلة والسائبة والحامي .

فقال : { لا أجد في ما أوحي إلي محرما } مما تحرمون أنتم { على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } جواب سؤال في نازلة ، فقال : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } في ما ذكر في الآية ، ولم يجده محرما في وقت إلا ما ذكر ، ثم وجده في وقت آخر . ففي أيهما كان لم يكن للبشر علينا في ذلك حجة حين{[7870]} قال : إن الأشياء كلها محللة مطلقا بهذه الآية : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا } ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، فقال : لا تحرم من الحيوان إلا ما ذكر .

ويقول : إن النهي الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو{[7871]} نهي عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير . إنما هو خبر خاص من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد لا يعمل في نسخ الكتاب ، وقد قال : { لا أجد في ما أوحي إلي محرما } .

وبعد فإن ذلك الخبر من الأخبار المتواترة ؛ لأنه عرفه الخاص والعام ، وعملوا به ، وظهر العمل به ، حتى لا يكاد يوجد ذلك يباع في أسواق المسلمين . دل أنه من المتواتر .

قال الشيخ /164-أ/ رضي الله عنه : وعندنا أن لفظة التحريم في الحيوان [ لا تكون ]{[7872]} إلا في ما ذكر في الآية من الميتة والدم المسفوح والخنزير . ولكن يقال : منهي عنه ، مكروه ، ولا يقال : محرم مطلقا ، ولا يقال : لا يؤكل ، ولا يطعم .

وبعد فإن الآية لو كانت في غير الوجهين الذين ذكرناهما لم يكن فيها دليل حل ما عدا المذكور في الآية ؛ لأنه قال : { لا أجد } ولم يوجد في وقت . ثم وجد في وقت آخر ، هذا جائز .

وفي قوله : { محرما على طاعم يطعمه } دلالة أن الجلد يحرم بحق اللحمية ؛ لأنه أمكن أن يشوى ، فيؤكل ، فحرمته حرمة اللحم . فإذا دبغ خرج من أن يؤكل ، فظهر عن قوله تعالى : { على طاعم يطعمه } والله أعلم .

ثم في قوله تعالى : { ٍمحرما على طاعم يطعمه } الآية دلالة أن الحرمة التي ذكر في قوله : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية } [ المائدة : 3 ] إلى أخر حرمة الأكل والتناول منها ؛ لأنه لم يبين في تلك الآية ما الذي حرم منها سوى ما ذكر حرمته [ التي ]{[7873]} تفسرها هذه الآية .

وقوله تعالى : { محرما على طاعم يطعمه } الأكل{[7874]} دل هذا أن الحرمة في تلك الآية الأكل والتناول منها ، وكذلك قوله تعالى : { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [ المائدة : 5 ] ذكر الحل ، ولم يذكر الحل لماذا ؟ ثم جاء التفسير في هذه الآية أنه للأكل .

ثم الميتة التي ذكر أنها محرمة ليست هي التي ماتت حتف أنفها خاصة . ألا ترى أنه ذكر { وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع } ؟ [ المائدة : 3 ] كل هذا الذي ذكر لم يمت حتف أنفه ، ولكن بأسباب{[7875]} ، لم يؤمر بها ، فصارت ميتة . فدل أن كل مذبوح أو مقتول بسبب ، لم يؤمر به ، هو{[7876]} ميتة ، لا يحل التناول منها إلا في حال الاضطرار .

وفي قوله تعالى : { أو دما مسفوحا } دلالة أن المحرم من الدم هو المسفوح ، والدم الذي يكون في اللحم ، ويخالط اللحم ، ليس بحرام ، والدم المسفوح حرام .

قال أبو عوسجة : المسفوح المصبوب ؛ تقول : سفحت صببت ، وقال القتبي : { مسفوحا } أي سائلا ، وقال ابن عباس رضي الله عنه المسفوح هو الذي يهراق .

وقوله تعالى : { أو لحم خنزير } ذكر اللحم ، وذكر حرمة الميتة ، ليعلم أن الخنزير بجوهره حرام ، والميتة ، حرمتها لا بجوهرها ، لكن بما{[7877]} اعترض . لذلك قلنا : لا بأس بالانتفاع بصوف الميتة وبرها وعظمها ، ولا يجوز من الخنزير شيء ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } قيل : { غير باغ } [ غير مستحل له ]{[7878]} في دينه { ولا عاد } أي ولا متعديا { فمن اضطر } إليه ، فأكله . وقد ذكرنا أقاويلهم والاختلاف في تأويله في صدر الكتاب { فإن ربك غفور رحيم } لأكله الحرام في حال الاضطرار { رحيم } حين{[7879]} رخص الحرام في موضع الاضطرار ، وهذا أيضا قد مضى ذكره{[7880]} .


[7869]:- في الأصل وم: فإنه يجد
[7870]:- في الأصل وم: حيث.
[7871]:- في الأصل وم: أنه.
[7872]:- ساقطة من الأصل وم.
[7873]:- ساقطة من الأصل وم.
[7874]:- في الأصل وم: إلا كذا
[7875]:- من م، في الأصل: بأسبابها.
[7876]:- في الأصل وم: فهو.
[7877]:- في الأصل وم: لما.
[7878]:- في الأصل وم: يستحله.
[7879]:- في الأصل وم: حيث.
[7880]:- من م، في الأصل: ذكر