جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (145)

{ قل لا أجد فيما أوحي إليّ } : طعاما ، { مُحرّما على طاعمٍ يطعمه } : يعني أن التحليل والتحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى ، ولا يعلم بالوحي أن شيئا من الطعام حرام في وقت ، { إلا } : في وقت ، { أن يكون } : الطعام ، { ميتة أو دما مسفوحا{[1544]} } : مصبوبا سائلا لا كالكبد والطحال ، ومن قرأ برفع ميتة فعنده كان تامة و( دما ) عطف على أن يكون أي : إلا وجود ميتة ، { أو لحم خنزير } : لحمه أو الخنزير ، { رجس } : حرام ، { أو فسقا{[1545]} } عطف على لحم خنزير { أهلّ لغير الله به } صفة له موضحة ، { فمن اضطر } : إلى كل شيء من ذلك ، { غير باغ } : على مضطر مثله ، { ولا عاد } : قدر الضرورة وقد مر معناهما في البقرة ، { فإن ربك غفور رحيم{[1546]} } : لا يؤاخذه ، والآية دالة على أن ما أوحي في حرمته إلى تلك الغاية هو ذلك ، وهذا لا ينافي التحريم في أشياء أخر بعد هذا .


[1544]:وهو ما سال من الحيوان في حال الحياة أو عند الذبح فإن ذلك الدم حرام نجس وما سوى ذلك كالكبد والطحال، فإنهما حلال؛ لأنهما دمان جامدان وقد ورد الحديث بإباحتهما وكذا ما اختلط باللحم من الدم، لأنه غير سائل قال عمران بن جدير: سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم وعن القدر يرى فيه حمرة الدم، فقال: لا بأس بذلك إنما نهي عن الدم المسفوح، وقال إبراهيم النخعي: لا بأس بالدم في عرق أو مخ إلا المسفوح، وقال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون الدم من العروق ما تتبع اليهود، هذا ما في كتاب التأويل المعروف بالخازن وكذا في المعالم/12.
[1545]:سمي فسقا لتوغله في باب الفسق كما يقال: فلان كرم وجود إذا كان كاملا فيهما فإن أجل العبادات المالية إراقة الدم تقربا إلى الله، قد جمع الله بينها وبين الصلاة في قوله: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام: 162)، والنسك هي الذبيحة ابتغاء وجهه في قوله: (فصل لربك وانحر) (الكوثر: 2)، فكما أن الصلاة أعظم العبادات البدنية وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع في غيرها من سائر العبادات كما عرفه أرباب القلوب الحية وأصحاب الهمم العالية كذلك النحر من أجل العبادات المالية وما يجتمع له في نحره من إيثار لله وحسن الظن به، وقوة اليقين، والوثوق بما في يد الله أمر عجيب إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ربه، فكان كثير الصلاة لربه كثير النحر حتى نحر بيده ثلاثا وستين بدنة وكان ينحر في الأعياد وغيرها في قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) لطيفة دالة على أن ربك مستحق لذلك وأنت جدير بأن تعبده، وتنحر له وفي إن شانئك هو الأبتر، تعريض بحال الأبتر، الشانئ الذي صلاته ونسكه لغير الله كما في الحديث (ملعون من ذبح لغير الله) هذا ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره لسورة الكوثر وقد مر هذا البحث في البقرة، والمائدة فتذكر/12.
[1546]:ولما ذكر أن التحريم ليس إلا من الله تعالى، وبين خطأ قريش كأن قائلا قال: أليس تحريم بعض الأشياء من قبل إسرائيل كما قالت اليهود كذبهم الله تعالى فقال: (وعلى الذين هادوا حرمنا) الآية/12 وجيز.