معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

قوله تعالى : { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } ، روى الضحاك عن ابن عباس : أن قوم نوح عليه السلام كانوا يضربون نوحا حتى يسقط ، فيلقونه في لبد ، ويلقونه في قعر بيت ، ويظنون أنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عز وجل . روي أن شيخا منهم جاء يتوكأ على عصا ، ومعه ابنه ، فقال : يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون ، فقال له : يا أبت أمكني من العصا ، فأخذ العصا من أبيه ، فضرب نوحا حتى شجه شجة منكرة ، فأوحى الله عز وجل إليه : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } ، { فلا تبتئس } أي : فلا تحزن ، { بما كانوا يفعلون } ، فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا نوح عليهم : فقال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } [ نوح-26 ] . وحكى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه . أنهم كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتد عليهم من البلاء ، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا ، فشكا إلى الله تعالى فقال : { رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا } إلى أن قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

لقد تابعت السورة الكريمة حديثها عن هذه القصة ، فبينت بعد ذلك قضاء الله العادل فى هؤلاء الظالمين ، حيث حكت لنا ما أوحاه الله إلى نوح - عليه السلام - فى شأنهم ، وما أمره بصنعه . . . فقال - تعالى - :

{ وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } على قوله { قَالُواْ يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا . . } أى : بعد أن لج قوم من نوح فى طغيانهم ، وصموا آذانهم عن سماع دعوته . . أوحى الله - تعالى - إلى نوح بأن يكتفى بمن معه من المؤمنين ، فإنه لم يبق فى قومه من يتوقع إيمانه بعد الآن ، وبعد أن مكث زمنا طويلا يدعوهم إلى الدخول فى الدين الحق ، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا . .

وقوله : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } تسلية له - عليه السلام - عما أصابه منهم من أذى .

والابتئاس : الحزن . يقال : ابتأس فلان بالأمر ، إذا بلغه ما يكرهه ويغمه ، والمبتئس : الكاره الحزين فى استكانة .

أى : فلا تحزن بسبب إصرارهم على كفرهم ، وتماديهم فى سفاهاتهم وطغيانهم ، فقد أن الأوان للانتقام منهم .

قال الإِمام ابن كثير : يخبر الله - تعالى - فى هذه الآية ، أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم ، وعذابه لهم ، فدعا عليهم نوح دعوته وهى { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } فمنذ ذلك أوحى الله - تعالى - إليه { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } فلا تحزن عليهم ، ولا يهمنك أمرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

25

ثم يمضي السياق في قصة نوح ؛ يعرض مشهدا ثانيا . مشهد نوح يتلقى وحي ربه وأمره :

وأوحي إلى نوح انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن . فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ، واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ، ولا تخاطبني في الذين ظلموا ، إنهم مغرقون . .

فقد انتهى الإنذار ، وانتهت الدعوة ، وانتهى الجدل !

( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) . .

فالقلوب المستعدة للإيمان قد آمنت ، أما البقية فليس فيها استعداد ولا اتجاه . هكذا أوحى الله إلى نوح ، وهو أعلم بعباده ، وأعلم بالممكن والممتنع ، فلم يبق مجال للمضي في دعوة لا تفيد . ولا عليك مما كانوا يفعلونه من كفر وتكذيب وتحد واستهزاء :

( فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ) . .

أى لا تحس بالبؤس والقلق ، ولا تحفل ولا تهتم بهذا الذي كان منهم ، لا على نفسك فما هم بضاريك بشيء ، ولا عليهم فإنهم لا خير فيهم .

دع أمرهم فقد انتهى . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَىَ نُوحٍ أَنّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وأَوْحَى الله إلى نوح لما حقّ على قومه القول ، وأظلهم أمر الله ، أنّهُ لَنْ يُؤْمِنُ : يا نوح بالله فيوحده ويتبعك على ما تدعوه إليه مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَن فصدّق بذلك واتبعك . فَلا تَبْتَئِسْ يقول : فلا تستِكنْ ولا تحزن بما كانوا يفعلون ، فإني مهلكهم ومنقذك منهم ومَنِ اتبعك . وأوحي الله ذلك إليه بعد ما دعا عليهم نوح بالهلاك ، فقال : رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا وهو تفتعل من البؤس ، يقال : ابتأس فلان بالأمر يبتئس ابتئاسا ، كما قال لبيد بن ربيعة :

فِي مَأْتَمٍ كَنِعاجِ صَا *** رَةَ يَبْتَئِسْنَ بِمَا لَقِينا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلا تَبْتَئِسْ قال : لا تحزن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَفْعَلُونَ يقول : فلا تحزن .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَفْعَلُونَ قال : لا تَأْسَ ولا تحزن .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأُوحِيَ إلى نُوحٍ أنّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ وذلك حين دعا عليهم قالَ رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا . قوله : فَلا تَبْتَئِسْ يقول : فلا تأس ولا تحزن .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فحينئذ دعا على قومه لما بين الله له أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن .