قوله تعالى { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون }
المسألة الأولى : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما جاء هذا من عند الله تعالى دعا على قومه فقال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } وقوله : { فلا تبتئس } أي لا تحزن ، قال أبو زيد : ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه ، وأنشد أبو عبيدة :
ما يقسم الله أقبل غير مبتئس*** به وأقعد كريما ناعم البال
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم في القضاء والقدر وقالوا : إنه تعالى أخبر عن قومه أنهم لا يؤمنون بعد ذلك ، فلو حصل إيمانهم لكان إما مع بقاء هذا الخبر صدقا ، ومع بقاء هذا العلم علما أو مع انقلاب هذا الخبر كذبا ومع انقلاب هذا العلم جهلا والأول ظاهر البطلان لأن وجود الإيمان مع أن يكون الإخبار عن عدم الإيمان صدقا ، ومع كون العلم بعدم الإيمان حاصلا حال وجود الإيمان جمع بين النقيضين ، والثاني أيضا باطل ، لأن انقلاب خبر الله كذبا وعلم الله جهلا محال ، ولما كان صدور الإيمان منهم محال مع أنهم كانوا مأمورين به ، وأيضا القوم كانوا مأمورين بالإيمان ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه . ومنه قوله : { أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } فيلزم أن يقال : إنهم كانوا مأمورين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون البتة . وذلك تكليف الجمع بين النقيضين ، وتقرير هذا الكلام قد مر في هذا الكتاب مرارا وأطوارا .
المسألة الثالثة : اختلف المعتزلة في أنه هل يجوز أن ينزل الله تعالى عذاب الاستئصال على قوم كان في المعلوم أن فيهم من يؤمن أو كان في أولادهم من يؤمن ، فقال قوم : إنه لا يجوز . واحتجوا بما حكى الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } وهذا يدل على أنه إنما حسن منه تعالى إنزال عذاب الاستئصال عليهم ، لأجل أنه تعالى علم أنه ليس من يؤمن ، ولا في أولادهم أحد يؤمن . قال القاضي وقال كثير من علمائنا : إن ذلك من الله تعالى جائز وإن كان منهم من يؤمن . وأما قول نوح عليه السلام : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } فذلك يدل على أنه إنما سأل ذلك من حيث إنه كان في المعلوم أنهم يضلون عباده ولا يلدون إلا فاجرا كفارا وذلك يدل على أن ذلك الحكم كان قولا بمجموع هاتين العلتين ، وأيضا فلا دليل فيه على أنهما لو لم يحصلا لما جاز إنزال الإهلاك ، والأقرب أن يقال : إن نوحا عليه السلام لشدة محبته لإيمانهم كان سأل ربه أن يبقيهم ، فأعلمه أنه لا يؤمن منهم أحد ليزول عن قلبه ما كان قد حصل فيه من تلك المحبة ، ولذلك قال تعالى من بعد : { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } أي لا تحزن من ذلك ولا تغتم ولا تظن أن في ذلك مذلة ، فإن الدين عزيز ، وإن قل عدد من يتمسك به ، والباطل ذليل وإن كثر عدد من يقول به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.