قوله تعالى : { وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ } الجمهور على " أوحِيَ " مبنياً للمفعول ، والقائمُ مقام الفاعل { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ } أي : أوحِيَ إليه عدمُ إيمان بعض القوم .
وقرأ أبو{[18776]} البرهسم " أوْحَى " مبنياً للفاعل وهو الله - سبحانه وتعالى - ، " إنَّهُ " بكسر الهمزة وفيها وجهان :
أحدهما : - وهو أصلٌ للبصريين - أنَّهُ على إضمار القول .
والثاني : - وهو أصلُ للكوفيين - أنَّهُ على إجراء الإيحاء مُجْرَى القول .
قوله " فَلاَ تَبْتَئِسْ " هو تفتعل من البُؤسِ ، ومعناه الحزنُ في استكانة ، ويقال : ابتأسَ فلانٌ ، أي : بلغه ما يكرهه ؛ قال : [ البسيط ]
مَا يَقْسِمِ اللهُ أقْبَلَ غَيْرَ مُبْتَئِسٍ *** مِنْهُ وأقْعُدْ كَرِيماً نَاعِمَ البَالِ{[18777]}
وكَمْ مِنْ خَليلٍ أوْ حَميمٍ رُزِئْتُهُ *** فَلَمْ نَبْتَئِسْ والرُّزْءُ فِيهِ جَلِيلِ{[18778]}
دلَّت هذه الآية على صحة القول بالقضاءِ والقدرِ ؛ لأنَّه تعالى أخبر بأنهم لا يؤمنون بعد ذلك ، فلو حصل إيمانهم ؛ لكان إمَّا مع بقاءِ هذا الخبر صدقاً ، ومع بقاء هذا العلم علماً ، أو مع انقلاب هذا الخبر كذباً ومع انقلابِ هذا العلم جهلاً .
والأولُ باطلٌ ؛ لأنَّ وجود الإيمان مع أن يكون الإخبار عن عدمِ الإيمانِ صدقاً ، ومع كون العلم بعد الإيمان حاصلاً حال وجود الإيمان جمعٌ بين النَّقيضين .
والثاني أيضاً باطلٌ ؛ لأنَّ انقلاب علم الله - تعالى - جهلاً وخبره كذباً محال ، ولما كان صدور الإيمان منهم لا بدَّ وأن يكون على أحد هذين القسمين ، وثبت أنَّ كلَّ واحدٍ منهما محالٌ كان صدور الإيمان منهم محالاً ، مع أنَّهم كانوا مأمورين به ، وأيضاً : فالقومُ كانُوا مأمورين بالإيمان ، ومن الإيمان تصديق الله تعالى - في كُلِّ ما أخبر عنه ، وقد أخبر أنَّهُ { . . . لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } فينبغي أن يقال : إنَّهم كانُوا مأمورين بأن يؤمنوا بأنَّهم لا يؤمنون ألبتة ، وذلك تكليفٌ بالجمع بين النَّقيضين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.