النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

قوله عز وجل : { وَأوحِيَ إِلَى نُوحٍ أنَّه لن يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ } حقق الله تعالى استدامة كفرهم تحقيقاً لنزول الوعيد بهم ، قاله الضحاك ، فدعا عليهم لما أُخبر بهذا فقال :

{ ربِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديَّاراً إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 27 :26 ] . { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : فلا تأسف ومنه قول يزيد بن عبد المدان{[1364]} :

فارسُ الخيل إذا ما ولولت *** ربّهُ الخِدر بصوتٍ مبتئس

الثاني : فلا تحزن ، ومنه قول الشاعر :

وكم من خليلٍ أو حميم رُزئته *** فلم أبتئس والرزءُ فيه جَليلُ

والابتئاس : الحزن في استكانة ، وأصله من البؤس ، وفي ذلك وجهان :

أحدهما : فلا تحزن لهلاكهم .

الثاني : فلا تحزن لكفرهم المفضي إلى هلاكهم .


[1364]:يزيد بن عبد المدان من بني الحارث بن كعب من اليمن وهو شاعر شريف أقبل مع خالد بن الوليد ضمن وفد قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، له ذكر في الأغاني وفي سيرة ابن هشام 4،240 وفي الإصابة الترجمة رقم 9288.