البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

قرأ الجمهور وأوحي مبنياً للمفعول ، أنه بفتح الهمزة .

وقرأ أبو البرهشيم : وأوحي مبنياً للفاعل ، إنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين ، وعلى إجراء أوحى مجرى قال : على مذهب الكوفيين ، أيأسه الله من إيمانهم ، وأنه صار كالمستحيل عقلاً بأخباره تعالى عنهم .

ومعنى إلا من قد آمن أي : من وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه ، ونهاه تعالى عن ابتآسه بما كانوا يفعلون ، وهو حزنه عليهم في استكانة .

وابتأس افتعل من البؤس ، ويقال : ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه ، وقال الشاعر :

وكم من خليل أو حميم رزئته *** فلم نبتئس والرزء فيه جليل

وقال آخر :

ما يقسم الله أقبل غير مبتئس *** منه واقعد كريماً ناعم البال

وقال آخر :

فارس الخيل إذا ما ولولت *** ربة الخدر بصوت مبتئس

وقال آخر :

في مأتم كنعاج ص *** رة يبتئسن بما لقينا

صارة موضع بما كانوا يفعلون من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك ، فقد حان وقت الانتقام منهم .