تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36)

وقوله تعالى : ( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ ) قال بعضهم : إن نوحا عليه السلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو ، ويطمع من قومه الإيمان ، فإذا أيس ، وانقطع رجاؤه فحينئذ دعا عليهم بالهلاك بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) أي أحدا ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) الآية[ النوح : 26-27 ] وعرف الإياس من إيمانهم بقوله : ( وأوحي إلى نوح ) الآية ، وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن لهم بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم ما داموا يرجون ، ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم ، وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك . فعند ذلك إذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم .

وفي قوله : ( لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ ) دلالة أن للإيمان حكم التجدد والابتداء في كل وقت وكل حال لأنه أخبر أن الذي قد آمن قد يؤمن في حادث الوقت . وعلى ذلك تخرج الزيادات التي ذكرت في الإيمان [ كقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( فزادتهم إيمانا )[ التوبة : 124 ] ونحوه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) قيل : لا تحزن بما كانوا يفعلون . فهو يحتمل وجهين :

أحدهما : لا تحزن بكفرهم بالله وتكذيبهم إياك ، ليس على النهي عن الحزن في ذلك ، ولكن على دفع الحزن عنه والتسلي به لأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يحزنون بكفر قومهم بالله وجعلهم أنفسهم أعداء له كقوله : ( فلعلك باخع نفسك )الآية[ الكهف : 6 والشعراء : 3 ] وقوله : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات )[ فاطر : 8 ] وأمثاله .

كان الأنبياء عليهم السلام أشد الناس حزنا بكفر قومهم بالله وتكذيبهم آياته وأشدهم رغبة في إيمانهم ، وكان حزنهم لم يكن على هلاكهم . ألا ترى أن نوحا دعا عليهم بالهلاك ، وكذلك سائر الأنبياء عليهم السلام [ كان حزنهم ][ في الأصل وم : إن حزنهم كان ] لمكان كفرهم بالله وتكذيبهم آياته لا لمكان هلاكهم إشفاقا على أنفسهم ؟

والثاني : قوله : ( فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) يحتمل أنهم كانوا هموا قتله والمكر به ، فقال : لا تحزن بما كانوا يسعون في هلاكك ، فإني كافيهم .

قال أبو عوسجة : قوله : ( فلا تبتئس ) هو من الحزن ؛ يقال : يبتئس ابتئاسا ؛ وقال[ سقطت الواو من الأصل وم ] الكسائي : أيضا ( فلا تبتئس ) أي لا تحزن ؛ هو من اليأس ، يقال : لا تبتئس بهذا الأمر .