معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

قوله تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً } ، أي : العابدين والمعبودين ، يعني : يوم القيامة ، قرأ يعقوب { يحشرهم } هنا ، وفي سبأ بالياء ، ووافق حفص في سبأ ، وقرأ الآخرون بالنون .

قوله تعالى : { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } ، أنها تشفع لكم عند ربكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

ثم بين - سبحانه - بعض أحوالهم عندما يحشرون يوم القيامة ، فقال - تعالى - : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ . . . } .

الحشر : الجمع ، والمراد به جمعهم يوم القيامة لحسابهم على أعمالهم الدنيوية .

والمعنى : واذكر لهم أيها الرسول الكريم - ليعتبروا ويتعظوا - حالهم يوم نجمعهم جميعاً فى الآخرة لنحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم ، ثم نسالهم سؤال إفضاح لا إيضاح - كما يقول القرطبى - : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاء لكى يدافعوا عنكم فى هذا اليوم العصيب .

و { يَوْمَ } منصوب على الظرفية بفعل مضمر بعده أى : ويوم نحشرهم كان كذا وكذا ، وحذف هذا الفعل من الكلام ليبقى على الإبهام الذى هو أدخل فى التخويف والتهويل ، وقيل إنه منصوب على أنه مفعول به بفعل محذوف قبله والتقدير ، واذكر يوم نحشرهم ، أى : اذكر هذا اليوم من حيث ما يقع فيه ، والضمير فى { نَحْشُرُهُمْ } للذين افتروا على الله كذبا ، أو كذبوا بآياته .

وفائدة كلمة { جَمِيعاً } رفع احتمال التخصيص ، أى : أن جميع المشركين ومعبوداتهم سيحشرون أمام الله للحساب .

وكان العطف بثم لتعدد الوقائع قبل هذا الخطاب الموجه للمشركين ، إذ قبل ذلك سيكون قيامهم من قبورهم ، ويكون هول الموقف ، ويكون إحصاء الأعمار وقراءة كل امرىء لكتابه . . . الخ ، ثم يقول الله - تعالى - { لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ؟

ووبخهم - سبحانه - بقوله : { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ } مع أنهم محشورون معهم ، لأنهم لا نفع يرجى من وجودهم معهم ، فلما كانوا كذلك نزلوا منزلة الغائب كما تقول لمن جعل أحداً ظهيراً يعينه فى الشدائد إذا لم يعنه كوقد وقع فى ورطة بحضرته أين فلان ؟ فتجعله لعدم نفعه - وإن كان حاضراً - كالغائب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

20

وهنا يصور من عدم فلاحهم موقفهم يوم الحشر والحساب ، في هذا المشهد الحي الشاخص الموحي :

( ويوم نحشرهم جميعا ، ثم نقول للذين أشركوا : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين . انظر كيف كذبوا على أنفسهم ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . .

إن الشرك ألوان ، والشركاء ألوان ، والمشركين ألوان . . وليست الصورة الساذجة التي تتراءى للناس اليوم حين يسمعون كلمة الشرك وكلمة الشركاء وكلمة المشركين : من أن هناك ناسا كانوا يعبدون أصناما أو أحجارا ، أو أشجارا ، أو نجوما ، أو نارا . . الخ . . هي الصورة الوحيدة للشرك !

إن الشرك في صميمه هو الاعتراف لغير الله - سبحانه - بإحدى خصائص الألوهية . . سواء كانت هي الاعتقاد بتسيير إرادته للأحداث ومقادير الكائنات . أو كانت هي التقدم لغير الله بالشعائر التعبدية والنذور وما إليها . أو كانت هي تلقي الشرائع من غير الله لتنظيم أوضاع الحياة . . كلها ألوان من الشرك ، يزاولها ألوان من المشركين ، يتخذون ألوانا من الشركاء !

والقرآن الكريم يعبر عن هذا كله بالشرك ؛ ويعرض مشاهد يوم القيامة تمثل هذه الألوان من الشرك والمشركين والشركاء ؛ ولا يقتصر على لون منها ، ولا يقصر وصف الشرك على واحد منها ؛ ولا يفرق في المصير والجزاء بين ألوان المشركين في الدنيا وفي الآخرة سواء . .

ولقد كان العرب يزاولون هذه الألوان من الشرك جميعا :

كانوا يعتقدون أن هناك كائنات من خلق الله ، لها مشاركة - عن طريق الشفاعة الملزمة عندالله - في تسيير الأحداث والأقدار . كالملائكة . أو عن طريق قدرتها على الأذى - كالجن بذواتهم أو باستخدام الكهان والسحرة لهم - أو عن طريق هذه وتلك - كأرواح الآباء والأجداد - وكل أولئك كانوا يرمزون له بالأصنام التي تعمرها أرواح هذه الكائنات ؛ ويستنطقها الكهان ؛ فتحل لهم ما تحل ، وتحرم عليهم ما تحرم . . وإنما هم الكهان في الحقيقة . . هم الشركاء !

وكانوا يزاولون الشرك في تقديم الشعائر لهذه الأصنام ؛ وتقديم القربان لها والنذور - وفي الحقيقة للكهان - كما أن بعضهم - نقلا عن الفرس - كانوا يعتقدون في الكواكب ومشاركتها في تسيير الأحداث - عن طريق المشاركة لله - ويتقدمون لها كذلك بالشعائر [ ومن هنا علاقة الحلقة المذكورة في هذه السورة من قصة إبراهيم عليه السلام بموضوع السورة كما سيأتي ] .

وكذلك كانوا يزاولون اللون الثالث من الشرك بإقامتهم لأنفسهم - عن طريق الكهان والشيوخ - شرائع وقيما وتقاليد ، لم يأذن بها الله . . وكانوا يدعون ما يدعيه بعض الناس اليوم من أن هذا هو شريعة الله ! وفي هذا المشهد - مشهد الحشر والمواجهة - يواجه المشركين - كل أنواع المشركين بكل ألوان الشرك - بسؤالهم عن الشركاء - كل أصناف الشركاء - أين هم ؟ فإنه لا يبدو لهم أثر ؛ ولا يكفون عن أتباعهم الهول والعذاب :

( ويوم نحشرهم جميعا ، ثم نقول للذين أشركوا : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ؟ ) . .

والمشهد شاخص ، والحشر واقع ، والمشركون مسؤولون ذلك السؤال العظيم . . الأليم : ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ؟ ) . .

وهنا يفعل الهول فعله . . هنا تتعرى الفطرة من الركام الذي ران عليها في الدنيا . . هنا ينعدم من الفطرة ومن الذاكرة - كما هو منعدم في الواقع والحقيقة - وجود الشركاء ؛ فيشعرون أنه لم يكن شرك ، ولم يكن شركاء . . لم يكن لهذا كله من وجود لا في حقيقة ولا واقع . .