اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } .

فيه خمسة أوجه :

أحدهما : أنه منصوبٌ بفعل مُضْمَرٍ بعده ، وهو على ظرفيَّتِهِ ، أي : ويوم نحشرهم كان كيت وكيت ، وحُذِف ليكون أبْلَغَ في التَّخْويفِ .

والثاني : أنه معطوفٌ على ظرفٍ محذُوفٍ ، ذلك الظرف معمول لقوله : { لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } والتقدير : أنه لا يفلح الظَّالمونَ اليوم في الدنيا ، ويوم نحشرهم ، قاله محمد ابن جَريرٍ{[13466]} .

الثالث : أنه منصوبٌ بقوله : { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ } ، وفيه بُعْدٌ لِبُعْدِهِ من عامله بكثرة الفواصِلِ .

الرابع : أنه مفعولٌ به ب " اذكر " مقدَّراً .

الخامس : أنه مفعولٌ به أيضاً ، ونَاصِبُهُ : احذروا أو اتَّقُوا يوم نحشرهم ، كقوله : { وَاخْشَوْاْ يَوْماً } [ لقمان :33 ] وهو كالذي قبله فلا يُعَدُّ خامساً .

وقرأ{[13467]} الجمهور " نَحْشرهم " بنون العظمة ، وكذا " ثم نقول " ، وقرأ{[13468]} حميد ، ويعقوب بياء الغَيْبَةِ فيهما ، وهو أنه تبارك وتعالى .

والجمهور{[13469]} على ضم الشين من " نَحْشُرهم " ، وأبو هريرة بكسرها{[13470]} ، وهما لغتان في المُضَارع .

والضمير المنصوب في " نحشرهم " يعود على المفترين الكَذِبَ .

وقيل : على النَّاس كلهم ، فيندرج هؤلاء فيهم ، والتَّوْبيخُ مختصُّ بهم .

وقيل : يعود على المشركين وأصنَامِهِمْ ، ويدلُّ عليه قوله : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ الصافات :22 ] .

و " جَمِيعاً " حالٌ من مفعول " نحشُرهم " ، ويجوز أن يكون توكيداً عند من أثْبَتَهُ من النحويين ك " أجمعين " .

وعطف هنا ب " ثُمَّ " للتراخي الحاصل بين الحَشْر والقَوْلِ .

ومفعولا " تزعمون " محذوفان للعلم بهما ، أي : تزعمونهم شركاء ، أو تزعمون أنهما شُفَعَاؤكم .

وقوله : " ثُمَّ نَقُولُ للَّذينَ " إن جعلنا الضمير في " نَحْشُرهم " عائداً على المفترين الكذبَ ، كان ذلك من باب إقامةِ الظَّاهرِ مقامَ المُضْمَرِ ، إذ الأصل : ثم نقول لهم ، وإنما أظْهِرَ تنبيهاً على قُبْحِ الشرك .

وقوله : { أيْنَ شُرَكاؤكُمْ } ؟ سؤالُ تَقْريعٍ وتوبيخٍ وتَبْكيتٍ .

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : " كُلُّ زَعْمِ في كتاب الله فالمُرادُ به الكذبُ " {[13471]} .


[13466]:ينظر: تفسير الطبري 5/277.
[13467]:ينظر: الدر المصون 3/29، البحر المحيط 4/98.
[13468]:ينظر: البحر المحيط 4/98، الدر المصون 3/29، الشواذ ص (38)، النشر 2/257.
[13469]:ينظر: الدر المصون 3/29.
[13470]:ينظر: البحر المحيط 4/98، الدر المصون 3/29.
[13471]:ينظر: تفسير القرطبي 6/258.