وبعد هذا الحديث عن سوء عاقبة الكافرين . . بين - سبحانه ما أعده للمؤمنين من ثواب جزيل ، وأجر عظيم فقال - تعالى - :
{ وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } .
أى : وأدخل الله - تعالى - فى هذا اليوم ، وهو يوم القيامة ، الذين آمنوا بكل ما يجب الإِيمان به ، وعملوا الأعمال الصالحة ، أدخلهم - سبحانه - جنات تجرى تجرى من تحت ثمارها وأشجارها الأنهار ، حالة كونهم خالدين فيها خلودا أبديا لاموت معه ولا تعب .
وجاء التعبير بصيغة الماضى لتحقيق الوقوع ، وتعجيل البشارة ، وقوله ، { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أى : بإرادته - سبحانه - وتوفيقه وهدايته لهم .
وقوله { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أى : تحيتهم فى الجنة سلام لهم من خالقهم - عز وجل - ومن الملائكة ، ومن بعضم لبعض .
كما قال - تعالى - : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } وكما قال - تعالى - : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ . سَلاَمٌ عَلَيْكُم . . . } وكما قال - سبحانه - : { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } وبذلك نرى الآيات الكريمة قد بينت بأبلغ أسلوب بوار أعمال الذين كفروا ، وسوء أحوالهم يوم القيامة ، كما بينت حسن عاقبة المؤمنين ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأُدْخِلَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِمْ تَحِيّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّمَآءِ * تُؤْتِيَ أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ } .
يقول عزّ ذكره : وأدخل الذين صدقوا الله ورسوله فأقرّوا بوحدانية الله وبرسالة رسله وأن ما جاءت به من عند الله حقّ ، وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول : وعملوا بطاعة الله فانتهوا إلى أمر الله ونهيه ، جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ بساتين تجري من تحتها الأنهار ، خالدِينَ فِيها باذْنِ رَبّهِمْ يقول : أدخلوها بأمر الله لهم بالدخول . تَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وذلك إن شاء الله كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قوله : تَحَيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ قال : الملائكة يسلمون عليهم في الجنة .
وقرأ الجمهور «وأُدخلَ » على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ الحسن : «وأُدخِلُ » على فعل المتكلم ، أي يقولها الله عز وجل{[7059]} ، وقوله : { من تحتها } أي من تحت ما علا منها ، كالغرف والمباني والأشجار وغيره . و «الخلود » في هذه الآية على بابه في الدوام ، و «الإذن » هنا عبارة عن القضاء والإمضاء ، وقوله : { تحيتهم } مصدر مضاف إلى الضمير ، فجائز أن يكون الضمير للمفعول أي تحييهم الملائكة ، وجائز أن يكون الضمير للفاعل ، أي يحيي بعضهم بعضاً .
و { تحيتهم } رفع بالابتداء ، و { سلام } ابتداء ثان ، وخبره محذوف تقديره عليكم ، والجملة خبر الأول ، والجميع في موضع الحال من المضمرين في { خالدين } أو يكون صفة ل { جنات } .
عطف على جملة { وبرزوا لله جميعاً } ، وهو انتقال لوصف حال المؤمنين يومئذٍ بمناسبة ذكر حال المشركين لأن حال المؤمنين يومئذٍ من جملة الأحوال المقصودة بالوصف إظهاراً لتفاوت الأحوال ، فلم يدخل المؤمنون يومئذٍ في المنازعة والمجادلة تنزيهاً لهم عن الخوض في تلك الغمرة ، مع التنبيه على أنهم حينئذٍ في سلامة ودعة .
ويجوز جعل الواو للحال ، أي برزوا وقال الضعفاء وقال الكبراء وقال الشيطان إلخ وقد أدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات ، فيكون إشارة إلى أنهم فازوا بنزل الكرامة من أول وهلة .
وقوله : { بإذن ربهم } إشارة إلى العناية والاهتمام ، فهو إذن أخص من أمر القضاء العام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.