معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11)

فقوله - سبحانه - : { تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ } استئناف مفسر وموضح لقوله { هَلْ أَدُلُّكمْ } ؟ فكأن سائلا قال : وما هذه التجارة ؟ دلنا عليها ، فكان الجواب : تؤمنون بالله ورسوله .

أى : تداومون تامة على الإيمان بالله - تعالى - وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتجاهدون فى سبيل إعلاء كلم الله ونصرة دينه بأموالكم وأنفسكم .

قالوا : وقوله { تُؤْمِنُونَ } خبر فى معنى الأمر ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود : آمنوا بالله رسوله ، وجاهدوا فى سبيله .

وفائدة العدول إلى الخبر : الإشعار بأنهم قد امتثلوا لما أرشدوا إليه ، فكأنه - سبحانه - يخبر عن هذا الامتثال الموجود عندهم .

وجاء التعبير بقوله : { هَلْ أَدُلُّكمْ } لإفادة أن ما يذكر بعد ذلك من الأشياء التى تحتاج إلى من يهدى إليها ، لأنها أمور مرد تحديدها إلى الله - تعالى - .

وتنكير لفظ التجارة ، للتهويل والتعظيم ، أى : هل أدلكم على تجارة عظيمة الشأن . . ؟

وأطلقت التجارة هنا على الإيمان والعمل الصالح ، لأنهما يتلاقيان ويتشابهان فى أن كليهما المقصود من ورائه الربح العظيم ، والسعى من أجل الحصول على المنافع .

وقدم - سبحانه - هنا الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس ، لأن المقام قمام تفسير وتوضيح لمعنى التجارة الرابحة عن طريق الجهاد فى سبيل الله ، ومن المعلوم أن التجارة تقوم على تبادل الأموال ، وهذه الأموال هى عصب الجهاد ، فعن طريقها تشترى الأسلحة والمعدات التى لا غنى للمجاهدين عنها ، وفى الحديث الشريف " من جهز غازيا فقد غزا " .

وقدم - سبحانه - فى قوله : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ . . } وقدم الأنفس على الأموال ، لأن الحديث هناك ، كان فى معرض الاستبدال والعرض والطلب ، والأخذ والعطاء . . . فقدم - سبحانه - الأنفس لأنها أعز ما يملكه الإنسان ، وجعل فى مقابلها الجنة لأنها أعز ما يوهب ، وأسمى ما تتطلع إلى نيله النفوس .

واسم الإشارة فى قوله : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعود إلى ما سبق ذكره من الإيمان والجهاد . أى : ذلكم الذى أرشدناكم إلى التمسك به من الإيمان والجهاد فى سبيل الله ، هو خير لكم من كل شىء إن كنتم من أهل العلم والفهم .

فقوله { تَعْلَمُونَ } منزلة منزلة الفعل اللازم ، للإشعار بأن من يخالف ذلك لا يكون لا من أهل العلم ، ولا من أهل الإدراك .

وجعله بعضهم فعلا متعديا ، ومفعوله محذوف ، والتقدير : إن كنتم تعلمون أنه خير لكم فافعلوه ، ولا تتقاعسوا عن ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11)

يقول تعالى { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ }موجع ، وذلك عذاب جهنم ثم بين لنا جلّ ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الأليم ، فقال : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ }محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قال قائل : وكيف قيل : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ } ، وقد قيل لهم : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا }بوصفهم بالإيمان ؟ فإن الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا } بالله وقد مضى البيان عن ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته .

وقوله : { وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ } يقول تعالى ذكره : وتجاهدون في دين الله ، وطريقه الذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم ، { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ }يقول : إيمانكم بالله ورسوله ، وجهادكم في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم خَيْرٌ لَكُمْ من تضييع ذلك والتفريط { إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }مضارّ الأشياء ومنافعها . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «آمِنُوا باللّهِ » على وجه الأمر ، وبيّنت التجارة من قوله : { هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ }وفسّرت بقوله : { تُؤمِنُونَ باللّهِ }ولم يقل : أن تؤمنوا ، لأن العرب إذا فسرت الاسم بفعل تثبت في تفسيره أن أحيانا ، وتطرحها أحيانا ، فتقول للرجل : هل لك في خير تقوم بنا إلى فلان فنعوده ؟ هل لك في خير أن تقوم إلى فلان فنعوده ؟ ، بأن وبطرحها . ومما جاء في الوجهين على الوجهين جميعا قوله : فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ أنّا وإنا فالفتح في أنا لغة من أدخل في يقوم أن من قولهم : هل لك في خير أن تقوم ، والكسر فيها لغة من يُلقي أن من تقوم ومنه قوله : فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمّرْناهُمْ وإنا دمرناهم ، على ما بيّنا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ . . . }الآية ، فلولا أن الله بينها ، ودلّ عليها المؤمنين ، لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها ، حتى يضنوا بها وقد دلكم الله عليها ، وأعلمكم إياها فقال : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة : { هَلْ أدُلّكُمْ على تجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } قال : الحمد لله الذي بينها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11)

وقوله تعالى : { تؤمنون } لفظه الخبر ومعناه الأمر أي آمنوا ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «أليم آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا » ، وقوله :{ تؤمنون } فعل مرفوع تقديره ذلك أنه تؤمنون{[11080]} ، وقال الأخفش : هو عطف بيان على { تجارة } ، قال المبرد : هو بمعنى آمنوا على الأمر ولذلك جاء { يغفر } مجزوماً ، وقوله تعالى : { ذلكم } أشار إلى الجهاد والإيمان ، و { خير } هنا يحتمل أن يكون للتفضيل ، فالمعنى من كل عمل ، ويحتمل أن يكون إخباراً ، أن هذا خير في ذاته ونفسه .


[11080]:علق أبو حيان الأندلسي على كلام ابن عطية هذا بعد أن نقله بقوله: "وهذا ليس بشيء لأن فيه حذف المبتدأ وحذف"أنه" وإبقاء الخبر، وهذا لا يجوز". البحر المحيط (8-263).