قوله : { تُؤْمِنُونَ }لا محلّ له لأنه تفسير ل «تجارة » ، ويجوز أن يكون محلها الرفع خبراً لمبتدأ مضمر ، أي تلك التجارة تؤمنون ، والخبر نفس المبتدأ ، فلا حاجة إلى رابط ، وأن تكون منصوبة المحل بإضمار فعل ، أي «أعني تؤمنون » ، وجاز ذلك على تقدير «أن » وفيه تعسف{[56477]} ، والعامة على : «تؤمنون » خبراً لفظياً ثابت النون ، وعبد الله{[56478]} : «آمنُوا ، وجاهدُوا » أمرين .
وزيد بن علي{[56479]} : «تؤمنوا ، وتجاهدوا » بحذف نون الرفع .
فأما قراءة العامة ، فالخبر بمعنى الأمر ، يدل عليه القراءتان الشاذتان فإن قراءة زيد : على حذف لام الأمر ، أي : «لتؤمنوا ، ولتجاهدوا » .
4765 - مُحَمَّدُ تَفْدِ نفسكَ كُلُّ نَفْسٍ *** . . . {[56480]}
وقوله تعالى : { قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة }[ إبراهيم : 31 ] في وجه ، أي : لتَفْدِ ولتقيموا ، ولذلك جزم الفعل في محل جوابه في قوله : «يتقي » .
وكذلك قولهم : «اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه » ، تقديره : ليتق الله .
وقال الأخفش : أن «تؤمنون » : عطف بيان ل «تجارة » ، وهذا لا يتخيل إلا بتأويل أن يكون الأصل : أن تؤمنوا ، فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله : [ الطويل ]
4766 - ألاَ أيُّهَذا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَى *** . . . {[56481]}
الأصل : أن أحضر الوغى ، وكأنه قيل : هل أدلّكم على تجارة منجية : إيمان وجهاد ، وهو معنى حسن ، لولا ما فيه من التأويل ، وعلى هذا يجوز أن يكون بدلاً من «تِجارةٍ » .
وقال الفراء{[56482]} : هو مجزوم على جواب الاستفهام ، وهو قوله : «هل أدلكم » .
واختلف الناس في تصحيح هذا القول{[56483]} .
فبعضهم غلطه . قال الزجاج{[56484]} : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم ، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا .
يعني : أنه ليس مرتباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة .
قال القرطبي{[56485]} : و«تُؤمِنُونَ » عند المبرد والزجاج في معنى «آمِنُوا » ولذلك جاء «يَغْفِر لَكُمْ » مجزوماً على أنه جواب الأمر .
قال ابن الخطيب{[56486]} : «هَلْ أدلكُمْ » في معنى الأمر عند الفرَّاء ، يقال : هل أنت ساكت أي : اسكت ، وبيانه أن «هَلْ » بمعنى الاستفهام ثم يندرج إلى أن يصير عرضاً وحثًّا ، والحث كالإغراء ، والإغراء أمر .
وقال المهدوي : إنما يصح حمله على المعنى ، وهو أن يكون «تُؤمِنُونَ ، وتجاهدون » : عطف بيان على قوله : «هل أدلكم » .
كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد ، فهي هما في المعنى ، فكأنه قيل : هل تؤمنون وتجاهدون ؟ .
قال{[56487]} : فإن لم يقدر هذا التقدير لم يصح ، لأنه يصير إن دُللتم يغفر لكم والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة .
وقال الزمشخري قريباً منه أيضاً ، وقال أيضاً{[56488]} : إن «تؤمنون » استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال : تؤمنون ، وقال ابن عطيَّة{[56489]} : «تُؤمِنُونَ » : فعل مرفوع ، تقديره : ذلك أنه تؤمنون ، فجعله خبراً ، وهي وما في حيّزها خبر لمبتدأ محذوف ، وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب فإنه لا حاجة إليه{[56490]} .
قال ابن الخطيب{[56491]} : فإن قيل : كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ } ؟ .
فالجواب : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين وهم الذين آمنوا في الظاهر ، ويمكن أن يكون أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة .
فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد ، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله تعالى : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً }[ التوبة : 124 ] ، أو يكون المراد الأمر بالثبات على الإيمان ، كقوله : { يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت }[ إبراهيم : 27 ] .
فإن قيل : كيف ترجى النجاة إذا آمن بالله ورسوله ولم يجاهد في سبيل الله وقد علق بالمجموع ؟ .
فالجواب : أن هذا المجموع هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خير في نفس الأمر .
قوله : { بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } قال القرطبي{[56492]} : ذكر الأموال أولاً ، لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق ، «ذَلِكُمْ » أي : هذا الفعل { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أموالكم وأنفسكم ، { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه خير لكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.