مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11)

{ وتؤمنون } استئناف ، كأنهم قالوا : كيف نعمل ؟ فقال : { تؤمنون بالله ورسوله } وهو خبر في معنى الأمر ، ولهذا أجيب بقوله : { يغفر لكم } وقوله تعالى : { وتجاهدون في سبيل الله } والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة ، جهاد فيما بينه وبين نفسه ، وهو قهر النفس ، ومنعها عن اللذات والشهوات ، وجهاد فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يدع الطمع منهم ، ويشفق عليهم ويرحمهم وجهاد فيما بينه بين الدنيا وهو أن يتخذها زادا لمعاده فتكون على خمسة أوجه ، وقوله تعالى : { ذلكم خير لكم } يعني الذي أمرتم به من الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله خير لكم من أن تتبعوا أهواءكم { إن كنتم تعلمون } أي إن كنتم تنتفعون بما علمتم فهو خير لكم ، وفي الآية مباحث :

الأول : لم قال : { تؤمنون } بلفظ الخبر ؟ نقول : للإيذان بوجوب الامتثال ، عن ابن عباس قالوا : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملنا ، فنزلت هذه الآية ، فمكثوا ما شاء الله يقولون : يا ليتنا نعلم ما هي ؟ فدلهم الله عليها بقوله : { تؤمنون بالله } .

الثاني : ما معنى : { إن كنتم تعلمون } نقول : { إن كنتم تعلمون } أنه خير لكم كان خيرا لكم ، وهذه الوجوه للكشاف ، وأما الغير فقال : الخوف من نفس العذاب لا من العذاب الأليم ، إذ العذاب الأليم هو نفس العذاب مع غيره ، والخوف من اللوازم كقوله تعالى : { وخافون إن كنتم مؤمنين } ومنها أن الأمر بالإيمان كيف هو بعد قوله : { يا أيها الذين آمنوا } فنقول : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين ، وهم الذين آمنوا في الظاهر ، ويمكن أن يكون أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد رسول الله ، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله : { فزادتهم إيمانا } ، { ليزدادوا إيمانا } وهو الأمر بالثبات كقوله : { يثبت الله الذين آمنوا } وهو الأمر بالتجدد كقوله : { يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «من جدد وضوءه فكأنما جدد إيمانه » ، ( ومنها ) أن رجاء النجاة كيف هو إذا آمن بالله ورسوله ، ولم يجاهد في سبيل الله ، وقد علق بالمجموع ، ومنها أن هذا المجموع وهو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خبر في نفس الأمر .