الآيتان 10 و 11 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } ، { تؤمنون بالله ورسوله } الإيمان بالله : أن يؤمن بأنه الواحد الأحد الصمد الفرد الذي { لم يلد ولم يولد }{ ولم يكن له كفوا أحد }[ الإخلاص : 3 و 4 ] ويؤمن بأن له الخلق والأمر وأنه قادر ، لا يعجزه شيء ، وعليم ، لا يخفى عليه شيء ، وحكيم ، لا يخرج خلقه الأشياء المختلفة في السراء والضراء والظلمة والنور والمرض والصحة عن الحكمة {[21158]} وأنه ليس كما قالت الثنوية : إنه خالق الظلمة والشر والقبيح غير خالق النور ، بل يعلمهم {[21159]} أنه خالق كل شيء ، سواه من ظلمة ونور وشر وخير وسقم وصحة ، لا على شبيه [ كما ]{[21160]} قالت المجوس : إن الله تعالى غفل غفلة ، فتولد منه الشيطان ، بل هو لا يغفل عن شيء ، ولا يخفى عليه شيء ، ولا على ما قالت النصارى حين {[21161]} شبهوه بالخلق حتى أجازوا أن يكون له ولد ، ولا على ما قالت القدرية : إنه لا يقدر شيئا من الشر والسقم ولا الوجع ، ولا على ما قالت المعتزلة إنه ليس له في أفعال [ العباد ]{[21162]}صنع وتدبير ، بل يعلمه عليما بكل شيء قديرا {[21163]} على كل شيء متعاليا على كل شيء من معاني الخلق متنزها عن كل آفة وحاجة وعيب . فهذا هو الإيمان بالله تعالى عندنا ، والله اعلم .
والإيمان بالرسل : أن يؤمن بأن ما جاء به صلى الله عليه وسلم هو حق وصدق .
وقوله تعالى : { ويجاهدون في سبيل الله } هذا على وجهين :
أحدهما : أن تقاتلوا أعداء الله تعالى .
والثاني : أن تجاهدوا في طاعة الله وفي ما دعا إليه من عبادته .
والجهاد ، ينصرف إلى أنواع أربعة : جهاد في سبيل الله بمقابلة أعدائه والاستقضاء في طاعته ، وجهاد ما بين يديه وبين نفسه ، أن يجاهد [ العبد ]{[21164]} في قهرها ومنعها عن لذاتها وشهواتها وعما يعلم أنه يهلكها ، ويرديها ، وجهاد في ما بينه وبين الخلق ، وهو ألا {[21165]} يدع الطمع فيهم ، ولا {[21166]}يشفق عليهم ، ولا يرحمهم ، ولا يرجوهم ، ولا يخافهم {[21167]} ، وجهاد في ما بينه وبين الدنيا ، وهو أن يتخذه زادا لمعاده أو مرمّة لمعاشه ، ولا يأخذ منها ما يضره في عقباه . وكل هذه الأنواع تستقيم أن نسميها جهادا في سبيل الله . ثم إن هذه الآية تنتظم مسائل ثلاثة {[21168]} :
إحداها {[21169]} : أن كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } ؟ .
والثانية {[21170]} : أن كيف ترجى له النجاة إذا آمن بالله ورسوله ، ولم يجاهد في سبيل الله ، وقد علّق بالكل ؟ .
والثالثة{[21171]} : أن كيف يخاف عليه العذاب إذا آمن بالله ورسوله ، وجاهد في سبيل الله ، وأتى بالكبيرة مع قوله : { ننجيكم من عذاب أليم } ؟ .
أما الجواب عن المسألة الأولى فإنه يحتمل أن يكون / 567 – ب / المراد من هذه الآية أهل النفاق ، فيكون المعنى من قوله : { يا أيها الذين آمنوا } في الظاهر { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم }{ تؤمنون بالله } أي تصدقون بقلوبكم .
ويجوز أن يكون في أهل الكتاب أيضا ، فكأنه قال عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا } بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبهذا الكتاب إذا كان في الكفار .
فأما إذا كان من المؤمنين فيجوز {[21172]} أن يكون أمره{[21173]} بالإيمان بعد ما آمنوا بمعنى الثبات عليه أو الزيادة وبحق التجدد لأن {[21174]} الإيمان في حادث الأوقات له أسماء ثلاثة : الزيادة والثبات والتجدد ، وذلك أن الله تعالى ذكر هذا النوع في كتابه مرة باسم الزيادة حين{[21175]} قال : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } [ التوبة : 124 ] ومرة باسم الثبات بقوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا } [ إبراهيم : 28 ] ومرة [ باسم ] {[21176]} الإيمان بقوله : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله } [ النساء : 136 ] .
فإذا كان على الزيادة والثبات فذلك لطف من الله تعالى ، وذلك أن الزيادة والثبات ، هما اسمان ، يطلقان على فعل دائم ، وفعل الإيمان منقض ، ولكنه يجوز أن يكون الله تعالى بلطفه جعل المنقضي كالدائم ، فيخرج هذا الفعل مخرج الزيادة والثبات ، والله أعلم .
وإذا كان على التجدد في الأوقات الحادثة [ فذلك ] {[21177]}مستقيم ، وذلك لأن المرء منهي عن الكفر في كل وقت يأتي عليه [ فهو ]{[21178]} إذا أتى بالإيمان في ذلك الوقت انتهى عن الكفر ، فصار لإيمانه حكم التجدد ، والله أعلم .
وجائز أن يكون المراد بقوله : { تؤمنون بالله ورسوله ويجاهدون في سبيل الله } الاعتقاد . وإذا كان المراد منه ذلك ، وأتى بما أمر من الاعتقاد بهذه الأمور ، ولكنه لم يف بالفعل ، فهو في رجاء من النجاة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ذلكم خير لكم } يعني ذلك الذي أمركم به من الإيمان بالله تعالى ورسوله والجهاد في سبيله { خير لكم } من أن تتبعوا أهواءكم { إن كنتم تعلمون } يعني إن كنتم تعلمون عيانا ، يعلمهم أن ذلك خير لهم{[21179]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.