ثم بشر - سبحانه - من هم على الحق بأعظم البشارات فقال : { كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ، أي : أثبت الله - تعالى - ذلك فى اللوح المحفوظ وقضاه ، وأراد وقوعه فى الوقت الذى يشاؤه .
فالمراد بالكتابة : القضاء والحكم ، وعبر بالكتابة للمبالغة فى تحقق الوقوع .
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية ، أنه لما فتح الله - تعالى - للمؤمنين ما فتح من الأرض ، قال المؤمنون : إنا لنرجو أن يفتح الله لنا فارس والروم .
فقال بعض المنافقين : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التى تغلبتم عليها ، والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا ، من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت .
قال الآلوسى : { كَتَبَ الله } أي : أثبت فى اللوح المحفوظ ، أو قضى وحكم . . . وهذا التعبير جار مجرى القسم ، ولذا قال - سبحانه - : { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي } أي : بالحجة والسيف وما يجري مجراه ، أو بأحدهما . . . .
{ إِنَّ الله قَوِيٌّ } على نصر رسله وأوليائه { عَزِيزٌ } لا يغلبه غالب بل هو القاهر فوق عباده .
والمقصود بالآية الكريمة : تقرير سنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف ، وأن النصر سيكون حليفا لأوليائه ، فى الوقت الذى علمه وأراده .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون } .
وقوله : { كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي }يقول : قضى الله وخطّ في أمّ الكتاب ، لأغلبنّ أنا ورسلي مَن حادّني وشاقّني . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي . . . }الآية ، قال : كتب الله كتابا وأمضاه .
وقوله : { إنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } يقول : إن الله جلّ ثناؤه ذو قوّة وقدرة على كلّ من حادّه ، ورسوله أن يهلكه ، ذو عزّة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه ، أو عاقبه ، أو أصابه في نفسه بسوء .
وجملة { كتب الله لأغلبن } علة لجملة { أولئك في الأذلين } أي لأن الله أراد أن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم غالباً لأعدائه وذلك من آثار قدرة الله التي لا يغلبها شيء وقد كتب لجميع رسله الغلبة على أعدائهم ، فغلبتهم من غلبة الله إذ قدرة الله تتعلق بالأشياء على وفق إرادته وإرادة الله لا يغيّرها شيء ، والإِرادة تجري على وفق العلم ومجموع توارد العلم والإِرادة والقدرة على الموجود هو المسمى بالقضاء . وهو المعبر عنه هنا ب { كتب الله } لأن الكتابة استعيرت لمعنى : قضى الله ذلك وأراد وقوعه في الوقت الذي علمه وأراده فهو محقق الوقوع لا يتخلف مثل الأمر الذي يراد ضبطه وعدم الإِخلال به فإنه يكتب لكِي لا ينسى ولا ينقص منه شيء ولا يجحد التراضي عليه .
فثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم الغلبة لشمول ما كتبه الله لرسله إياه وهذا إثبات لغلبة رسوله أقواماً يحادُّونه بطريق برهاني .
فجملة { لأغلبن } مصوغة صيغة القول ترشيحاً لاستعارة { كتب } إلى معنى قضى وقدر . والمعنى : قضى مدلول هذه الجملة ، أي قضى بالغلبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكأن هذه الجملة هي المكتوبة من الله . والمراد : الغلبة بالقوة لأن الكلام مسوق مساق التهديد . وأما الغلبة بالحجة فأمر معلوم .
وجملة { إن الله قوي عزيز } تعليل لجملة { لأغلبن } لأن الذي يغالب الغالب مغلوب . قال حسان :
زعمت سَخينةُ أنْ ستغلبُ ربّها *** وليُغْلَبَنّ مُغالب الغلاّب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.