معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

قوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا } ، يعني النضر بن الحارث .

قوله تعالى : { قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } ، وذلك أنه كان يختلف تاجراً إلى فارس والحيرة ، فيسمع أخبار رستم ، واسفنديار ، وأحاديث العجم ، ويمر باليهود والنصارى فيراهم يركعون ، ويسجدون ، ويقرؤون في التوراة والإنجيل ، فجاء إلى مكة ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويقرأ القرآن فقال النضر : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا .

قوله تعالى : { إن هذا إلا أساطير الأولين } ، أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم ، وما سطر الأولون في كتبهم ، والأساطير : جمع أسطورة ، وهي المكتوبة ، من قولهم ، سطرت أي كتبت .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

ثم حكى القرآن بعد ذلك جانبا من الدعاوى الكاذبة التي تفوه بها المشركون فقال - تعالى - { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين } .

وقد ذكر كثير من المفسرين " أن القائل لهذا القول : النضر بن الحارث ؛ فإنه كان قد ذهب إلا بلاد فارس فأحضر منها قصصاً عن ملوكهم . . ولما قدم مكة ووجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو القرآن قال للمشركين : لو شئت لقلت مثل هذا ، وكان - صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس ، جاء بعده النضر فجلس فيه وحدث المشركين بأخبار ملوك الفرس والروم ، وغيرهم ثم قال : أينا أحس قصصا ؟ أنا أو محمد ؟ وقد أمكن الله منه يوم بدر ، فقد أسره المقداد بن عمرو ، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه وقال فيه : " إنه كان يقول في كتاب الله - عز وجل - ما يقول " " .

وأسند - سبحانه - قول النضر إلى جميع المشركين ، لأنهم كانوا راضين بقوله ، ولأنه كان من زعمائهم الذين يقودونهم إلى طريق الغواية .

والأساطير - كما يقول ابن جرير - : جمع أسطر ، لأن واحد الأسطر سطر . ثم يجمع السطر : أسطر وسطور ، ثم يجمع الأسطر أساطير وأساطر . وقد كان بعض أهل العربية يقول : واحد الأساطير : أسطورة - كأحاديث وأحدوثة .

والمراد بها : تلك القصص والحكايات التي كتبها الكاتبون عن القدامى ، والتى يغلب عليها طابع الخرافة والتخيلات التي لا حقيقة لها .

والمعنى : أن هؤلاء المشركين قد بلغ بهم الكذب والتمادى في الطغيان ، أنهم كانوا إذا تتلى عليهم آيات الله { قَالُواْ } بصفاته ووقاحة : { قَدْ سَمِعْنَا } أى : قد معنا ما قرأته علينا - يا محمد - ووعيناه { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا } أي لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد وما هو إلا من قصص الأولين وحكاياتهم التي سطرها بعضهم عنهم وليس من عند الله - تعالى - .

ولا شك أن قولهم هذا يدل على تعمدهم الكذب على أنفسهم وعلى الناس فإن هذا القرآن - الذي زعموا أنهم لو شاءوا لقالوا مثله - قد تحداهم في نهاية المطاف أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا وانقلبوا خاسرين .

والذى نعتقده أن قولهم هذا ، ما هو إلا من قبيل الحرب النفسية التي كاوا يشنونها على الدعوة الإِسلامية ، بقصد تضليل البسطاء ، والوقوف في وجه تأثير القرآن في القلوب ، ومحاولة طمس معالم الحق ولو إلى حين .

ولكنهم لم يفلحوا . فإن نور الحق لا تحجبه الشبهات الزائفة ، ولا يعدم الحق أن يجد له أنصاراً حتى من أعدائه ، يكفى هنا أن نستشهد بما قاله الوليد بن المغيرة في وصف القرآن الكريم : " إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن اسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر . . وما يقول هذا بشر " .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لقوله - تعالى - { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا . . . } : نفاجة منهم وصلت تحت الراعدة ، فإنهم لم تيوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة ، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاؤوا غلبة من تحداهم وقرعهم بالعجز حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه ، مع فرط أنفتهم ، واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هََذَا إِنْ هََذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب الله الواضحة لمن شرح الله صدره لفهمه قالوا جهلاً منهم وعنادا للحقّ وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم : لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا الذي تلي علينا ، إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِين : يعني أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلاّ أساطير الأوّلين . والأساطير : جمع أسطر ، وهو جمع الجمع ، لأن واحد الأسطر : سطر ، ثم يجمع السطر : أسطر وسطور ، ثم يجمع الأسطر : أساطير وأساطر . وقد كان بعض أهل العربية يقول : واحد الأساطير : أسطورة .

وإنما عَنى المشركون بقولهم : إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِينَ : إن هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبار الأمم . كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم ، وأنه لم يوحه الله إليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قوله : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذَا قال : كان النضر بن الحرث يختلف تاجرا إلى فارس ، فيمرّ بالعباد وهم يقرءون الإنجيل ، ويركعون ويسجدون . فجاء مكة ، فوجد محمدا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد ، فقال النضر : قد سمعنا ، لو نشاء لقلنا مثل هذا للذي سمع من العِباد . فنزلت : وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْل هذَا قال : فقصّ ربنا ما كانوا قالوا بمكة ، وقصّ قولهم : إذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ . . . الاَية .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان النضر بن الحرث بن علقمة أخو بني عبد الدار يختلف إلى الحيرة ، فيسمع سجع أهلها وكلامهم . فلما قدم مكة ، سمع كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن ، فقال : قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِينَ : يقول : أساجيع أهل الحيرة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا : عقبةَ بن أبي معيط ، وطعيمة بن عديّ ، والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِي كِتابِ اللّهِ ما يَقُولُ » . فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتله . فقال المقداد : أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ أغْنِ المِقْدَاد مِنْ فَضْلِكَ » فقال المقداد : هذا الذي أردت . وفيه نزلت هذه الاَية : وَإذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا . . . الاَية .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرا المطعم بن عديّ ، والنضر بن الحرث ، وعقبة بن أبي معيط . قال : فلما أمر بقتل النضر ، قال المقداد بن الأسود : أسيري يا رسول الله قال : «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِي كِتابِ الله وفِي رَسُولِهِ ما كانَ يَقُولُ » . قال : فقال ذلك مرّتين أو ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ أغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ » وكان المقداد أسر النضر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

{ وإذا تُتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } هو قول النضر بن الحارث ، وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم ، أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم ، إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاءوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ، ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع أنفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصا في باب البيان . { إن هذا إلا أساطير الأولين } ما سطره الأولون من القصص .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

الضمير في { عليهم } عائد على الكفار ، و «الآيات » هنا آيات القرآن خاصة بقرينة قوله { تتلى } ، و { قد سمعنا } يريد وقد سمعنا هذا المتلو { لو نشاء لقلنا } مثله وقد سمعنا نظيره على ما روي أن النضر سمع أحاديث أهل الحيرة من العباد فلو نشاء لقلنا مثله من القصص والأنباء فإن هذه إنما هي أساطير من قد تقدم ، أي قصصهم المكتوبة المسطورة ، و { أساطير } جمع اسطورة ، ويحتمل أن يكون جمع أسطار ولا يكون جمع أسطر كما قال الطبري ، لأنه كان يجيء أساطر بدون ياء{[5305]} ، هذا هو قانون الباب ، وقد شذ منه شيء كصيرف قالوا في جمعه صيارف ، والذي تواترت به الروايات عن ابن جريج والسدي وابن جبير الذي قال هذه المقالة هو النضر بن الحارث ، وذلك أنه كان كثير السفر إلى فارس والحيرة ، فكان قد سمع من قصص الرهبان والأناجيل ، وسمع من أخبار رستم وإسبنديار ، فلما سمع القرآن ورأى فيه من أخبار الأنبياء والأمم ، قال : لو شئت لقلت مثل هذا ، وكان النضر من مردة قريش النائلين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت فيه آيات من كتاب الله ، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً{[5306]} بالصفراء منصرفه من بدر في موضع يقال له الأثيل{[5307]} وكان أسره المقداد{[5308]} ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه قال المقداد : أسيري يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه كان يقول في كتاب الله ما قد علمتم ، ثم أعاد المقداد مقالته حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم أغن المقداد من فضلك » فقال المقداد : هذا الذي أردت ، فضرب عنق النضر ، وحكى الطبري عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر صبراً ثلاثة نفر ، المطعم بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط .

قال القاضي أبو محمد : وهذا وهم عظيم في خبر المطعم ، فقد كان مات قبل يوم بدر{[5309]} ، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو كان المطعم حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له »{[5310]} يعني أسرى بدر .


[5305]:- الذي في لسان العرب هو أن السطر والسطر: الصف من الكتاب والشّجر والنخل ونحوها، والجمع من كل ذلك: أسطر وأسطار وأساطير، وعن اللحياني: وسطور ثم روى عن اللغويين- بعد ذلك آراء مختلفة.
[5306]:- الصبر: نصب الإنسان للقتل، فهو مصبور، وصبر الإنسان على القتل: نصبه عليه، يقال: قتله صبرا، وقد صبره عليه. (اللسان)- وفي "المعجم الوسيط": قتله صبرا: حبسه حتى مات.
[5307]:- الأثيل بالتصغير: موضع قريب من المدينة فيه عين ماء لآل جعفر بن أبي طالب.
[5308]:- هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة الحضرمي، قدم مكة من اليمن فحالف الأسود بن عبد يغوث فقيل له: المقداد بن الأسود، كان طويلا آدم كثيف الشعر واسع العينين، تزوج ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، ولم يثبت أنه كان على فرس يوم بدر غيره، أخرج الترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: عليّ، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان). وروى المقداد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. واتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، قيل: وهو ابن سبعين سنة. (الإصابة)
[5309]:- الحقيقة التي لا شك فيها أن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر، وقد ذكره ذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية- قال عن هذا الخبر: "وكذا رواه هشيم عن أبي بشر جعفر ابن أبي رحية عن سعيد بن جبير أنه قال (المطعم بن عدي) بدل (طعيمة بن عدي)، وهو غلط لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر." وسر الغلط هو التشابه بين الاسمين، ويؤيد هذا أن السيوطي حين نقل الحديث في (الدر المنثور) لم يذكر فيه المطعم بن عدي، بل ذكر اثنين فقط هما عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث.
[5310]:- رواه البخاري في كتاب المغازي، ورواه الدارمي في الجهاد، ورواه الإمام أحمد في مسنده (4/80)، ولكن فيه لفظ "النتنين" بدلا من "النّتْنى".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {وإذا تتلى عليهم ءاياتنا}، يعنى القرآن، {قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا} القرآن، قال ذلك النضر بن الحارث بن علقمة، من بني عبد الدار بن قصي، ثم قال: {إن هذا} الذي يقول محمد من القرآن {إلا أساطير الأولين} يعني أحاديث الأولين، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم يحدث عن الأمم الخالية، وأنا أحدثكم عن رستم وأسفنديار، كما يحدث محمد...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب الله الواضحة لمن شرح الله صدره لفهمه، قالوا جهلاً منهم وعنادا للحقّ وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم:"لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا" الذي تلي علينا، "إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِين": يعني أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلاّ أساطير الأوّلين. والأساطير: جمع أسطر... وقد كان بعض أهل العربية يقول: واحد الأساطير: أسطورة.

وإنما عَنى المشركون بقولهم: "إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِينَ": إن هذا القرآن الذي تتلوه علينا يا محمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبار الأمم، كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم، وأنه لم يوحه الله إليه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قالوا ذلك متعنتين؛ إذ كان يقرع أسماعهم قوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)، وقوله: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...) الآية، ثم لم يكن يطمع أحد منهم أن يأتي بمثله، وتكلفوا في ذلك؛ دل أن قولهم: (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) تعنت وعناد...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال: لمَّا لاحظوا القرآن بعين الاستصغار حُرِموا بركات الفهم فعدُّوه من جملة أساطير الأولين...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} نفاجة منهم وصلف تحت الراعدة، فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاؤوا غلبة من تحدّاهم وقرعهم بالعجز، حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه، مع فرط أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة، وأن يماتنهم واحد، فيتعللوا بامتناع المشيئة، ومع ما علم وظهر ظهور الشمس، من حرصهم على أن يقهروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهالكهم على أن يغمروه...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ثم ذكر تعالى مكابرة من مكابرات هؤلاء المشركين المعاندين الماكرين قالها بعضهم فأعجبت أمثاله منهم فرددوها فعزيت إليهم على الإطلاق...

نقل هذا القول جمهور رواة التفسير المأثور عن النضر بن الحارث من بني عبد الدار...

ولعله أول من قال هذه الكلمة فقلده فيها غيره، ولم يكونوا يعتقدون أنها أساطير مختلقة، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذي افتراها، فإنهم لم يكونوا يتهمونه بالكذب كما نقل عن كبار طواغيتهم ومنهم النضر بن الحارث، وقد قال تعالى في ذلك: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33] بل كانوا يوهمون عامة العرب أنه اكتتبها وجمعها كما في آية الفرقان: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان: 5] أي ليحفظها ولم يكن كبراء مجرمي قريش ولا أهل مكة يعتقدون هذا أيضا فإنهم كلهم كانوا يعلمون أنه أمي لم يتعلم شيئا، بل تشاوروا في شيء يقولونه ليصدوا به العرب عن القرآن فكان هذا القول منه، وقد كذبهم الله تعالى فيه فما استطاعوا له إثباتا،...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

... لقد كان الملأ من قريش يعرفون طبيعة هذه الدعوة، مذ كانوا يعرفون مدلولات لغتهم الصحيحة! كانوا يعرفون أن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، معناها إعلان التمرد على سلطان البشر كافة، والخروج من حاكمية العباد جملة؛ والفرار إلى ألوهية الله وحده وحاكميته. ثم التلقي في هذه العبودية لله عن محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وحده، دون الناطقين باسم الآلهة أو باسم الله!.. وكانوا يرون الذين يشهدون هذه الشهادة يخرجون لتوهم من سلطان قريش وقيادتها وحاكميتها؛ وينضمون إلى التجمع الحركي الذي يقوده محمد [صلى الله عليه وسلم] ويخضعون لقيادته وسلطانه؛ وينتزعون ولاءهم للأسرة والعشيرة والقبيلة والمشيخة والقيادة الجاهلية؛ ويتوجهون بولائهم كله للقيادة الجديدة، وللعصبة المسلمة التي تقوم عليها هذه القيادة الجديدة..

كان هذا كله هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. وكان هذا واقعاً يشهده الملأ من قريش؛ ويحسون خطره على كيانهم، وعلى الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقيدية التي يقوم عليها كيانهم.

لم يكن مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هو هذا المدلول الباهت الفارغ الهزيل الذي يعنيه اليوم من يزعمون أنهم مسلمون -لمجرد أنهم يشهدون هذه الشهادة بألسنتهم؛ ويؤدون بعض الشعائر التعبدية، بينما ألوهية الله في الأرض وفي حياة الناس لا وجود لها ولا ظل؛ وبينما القيادات الجاهلية والشرائع الجاهلية هي التي تحكم المجتمع وتصرف شؤونه.

وحقيقة إنه في مكة لم تكن للإسلام شريعة ولا دولة.. ولكن الذين كانوا ينطقون بالشهادتين كانوا يسلمون قيادهم من فورهم للقيادة المحمدية؛ ويمنحون ولاءهم من فورهم للعصبة المسلمة؛ كما كانوا ينسلخون من القيادة الجاهلية ويتمردون عليها؛ وينزعون ولاءهم من الأسرة والعشيرة والقبيلة والقيادة الجاهلية بمجرد نطقهم بالشهادتين.. فلم يكن الأمر هو هذا النطق الفارغ الباهت الهزيل. ولكن كانت دلالته الواقعية العملية هي التي تترجمه إلى حقيقة يقوم عليها الإسلام..

وهذا هو الذي كان يزعج الملأ من قريش من زحف الإسلام، ومن هذا القرآن.. إنه لم يزعجهم من قبل أن "الحنفاء "اعتزلوا معتقدات المشركين وعباداتهم؛ واعتقدوا بألوهية الله وحده وقدموا له الشعائر وحده، واجتنبوا عبادة الأصنام أصلاً.. فإلى هنا لا يهم الطاغوت الجاهلي شيء؛ لأنه لا خطر على الطاغوت من الاعتقاد السلبي والشعائر التعبدية! إن هذا ليس هو الإسلام- كما يظن بعض الطيبين الخيرين الذين يريدون اليوم أن يكونوا مسلمين، ولكنهم لا يعرفون ما هو الإسلام معرفة اليقين! -إنما الإسلام هو تلك الحركة المصاحبة للنطق بالشهادتين.. هو الانخلاع من المجتمع الجاهلي وتصوراته وقيمه وقيادته وسلطانه وشرائعه؛ والولاء لقيادة الدعوة الإسلامية وللعصبة المسلمة التي تريد أن تحقق الإسلام في عالم الواقع.. وهذا ما كان يقض مضاجع الملأ من قريش، فيقاومونه بشتى الأساليب.. ومنها هذا الأسلوب.. أسلوب الادعاء على القرآن الكريم، بأنه أساطير الأولين! وأنهم- لو شاءوا -قالوا مثله! ذلك مع تحديهم به مرة ومرة ومرة.. وهم في كل مرة يعجزون ويخنسون!

والأساطير واحدتها أسطورة. وهي الحكاية المتلبسة- غالباً -بالتصورات الخرافية عن الآلهة؛ وعن أقاصيص القدامى وبطولاتهم الخارقة، وعن الأحداث التي يلعب فيها الخيال والخرافة دوراً كبيراً..

وقد كان الملأ من قريش يعمدون إلى ما في القرآن من قصص الأولين؛ وقصص الخوارق والمعجزات؛ وفعل الله بالمكذبين وإنجائه للمؤمنين... إلى آخر ما في القصص القرآني من هذه الموضوعات؛ فيقولون للجماهير المستغفلة: إنها أساطير الأولين؛ اكتتبها محمد ممن يجمعونها؛ وجاء يتلوها عليكم، زاعماً أنه أوحي إليه بها من عند الله.. وكذلك كان النضر ابن الحارث يجلس في مجلس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعد انتهائه؛ أو يجلس مجلساً آخر يجاوره؛ ويقص الأساطير الفارسية التي تعلمها من رحلاته في بلاد فارس؛ ليقول للناس: إن هذا من جنس ما يقوله لكم محمد. وها أنا ذا لا أدعي النبوة ولا الوحي كما يدعي! فإن هي إلا أساطير من نوع هذه الأساطير!

ولا بد أن نقدر أنه كان هناك تأثير لهذه البلبلة في الوسط الجاهلي عند عامة الناس. وبخاصة في أول الأمر، قبل أن تتجلى الفوارق بين هذه الأساطير والقصص، وبين القرآن الكريم. لندرك لم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المعركة في بدر بقتل النضر بن الحارث. ثم لما وجده أسيراً أمر بقتله هو والنفر القليل الذين أمر بقتلهم من الأسرى؛ ولم يقبل فيه فدية كالآخرين.

على أن الذي انتهى إليه الأمر في مكة أن هذه الأساليب لم تعش طويلاً؛ وأن هذا النوع من المناورات قد انكشف بعد حين؛ وأن القرآن بسلطانه القاهر الذي يحمله من عند الله؛ وبالحق العميق الذي تصطلح عليه الفطرة سريعاً، قد اكتسح هذه الأساليب وهذه المناورات، فلم يقف له منها شيء؛ وراح الملأ من قريش- في ذعر -يقولون: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون!) ووجد كبراؤهم، من أمثال أبي سفيان، وأبي جهل والأخنس بن شريق أنفسهم يخالس بعضهم بعضاً ليبيت ليلته يستمع خفية لهذا القرآن؛ ولا يملك نفسه من أن تقوده قدماه ليلة بعد ليلة إلى حيث يستمع لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] في خفية عن الآخرين؛ حتى تعاهدوا وأكدوا على أنفسهم العهود، ألا يعودوا إليها، مخافة أن يراهم الفتية فيفتنوا بهذا القرآن وبهذا الدين!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى {قد سمعنا}: قد فهمنا ما تحتوي عليه، لو نشاء لقلنا مثلها وإنما اهتموا بالقصص ولم يتَبيّنوا مغزاها ولا ما في القرآن من الآداب والحقائق، فلذلك قال الله تعالى عنهم {كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] أي لا يفقهون ما سمعوا. ومن عجيب بهتانهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدّاهم بمعارضة سورة من القرآن، فعجزوا عن ذلك وأفحموا، ثم اعتذروا بأن ما في القرآن أساطير الأولين وأنهم قادرون على الإتيان بمثل ذلك... وقولهم: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} إيهام بأنهم ترفعوا عن معارضته، وأنهم لو شاءوا لنقلوا من أساطير الأولين إلى العربية ما يوازي قصص القرآن وهذه وقاحة، وإلاّ فما منعهم أن يشاءوا معارضة من تحداهم وقرعهم بالعجز بقوله: {فإنْ لم تفعلوا ولنْ تفعلوا} [البقرة: 24] مع تحيزهم وتآمرهم في إيجاد معذرة يعتذرون بها عن القرآن وإعجازه إياهم وتحديه لهم، وما قاله الوليد بن المغيرة في أمر القرآن. و« الأساطير» جمع أسطورة بضم الهمزة وهي القصة، وتقدم عند قوله تعالى: {حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين} في سورة [الأنعام: 25]...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنَا} في ما كان يتلوه عليهم رسول الله من وحي الله، ليتأملوا وليفكروا في معانيه ليهتدوا به، {قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا} في طريقةٍ توحي بالاستخفاف واللاّمبالاة، كمن يحاول أن ينتهي من الموضوع بشكل سريع، ولهذا فهو يحاول أن لا يدخل في حوارٍ للوصول إلى النتيجة الحاسمة، فيلقي الكلام من دون تفكير. {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَآ}، لأن ما تقدمه لنا يا محمد مجرد كلام، كالكلام الذي نحدث به بعضنا بعضاً، فليس فيه شيء غير مألوف بما تعوّد الأنبياء أن يقدّموه إلى الناس. {إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} في ما كانوا يتحدثون به من خرافاتٍ لا تمثل شيئاً من الحقيقة. وهكذا نجد أنهم لا يريدون للمسألة أن تأخذ الطابع الجديّ للنقاش وللحوار المفيد...