اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (31)

قوله تعالى : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } الآية .

لمَّا حكى مكرهم في ذاتِ محمَّدٍ ، حكى مكرهم في دين محمَّدٍ .

روي أنَّ النَّضْرَ بن الحارث كان يختلف تاجراً إلى فارس والحيرةِ فيسمع أخبار رستم وسفنديار ، وأحاديث العجمِ ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة ، ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ، ويركعون ويسجدون فجاء مكَّة فوجد محمداً صلى الله عليه وسلم يصلِّي ويقرأ القرآن ، وكان يقعدُ مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأوَّلين أخبار الأمم الماضية وأسماءهم ، وما سطر الأولون في كتبهم .

وكان يزعمُ أنها مثل ما يذكره مُحمَّدٍ من قصص الأولين ، فهذا هو المراد من قوله : { لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين } ، والأساطير : جمع أسطورة وهي المكتوبة .

فإن قيل : الاعتمادُ على كون القرآن معجزاً هو أنَّ الله تعالى تحدَّى العرب بمعارضته فلم يأتوا بها ، وهذا الآيةُ تدلُّ على أنه أتى بالمعارضة .

فالجواب : أن كلمة " لو " تفيدُ انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فقوله : { لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا } يدلُّ على أنه ما شاء ذلك القول ، وما قالوا ؛ فثبت أنَّ النضر بن الحارث أقرَّ أنَّهُ ما أتى بالمعارضة ، وإنَّما أخبر أنه لو شاء أتى بها ، والمقصود إنَّما يحصل لو أتى بالمعارضة أمَّا مجرَّد هذا القول ، فلا فائدة فيه .