معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

قوله تعالى : { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض } ، إنما أخبر بما لغلبة مالا يعقل على من يعقل في العدد ، والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث ، { من دابة } ، أراد من كل حيوان يدب . ويقال : السجود : الطاعة ، والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد ، قال الله تعالى : { قالتا أتينا طائعين } [ فصلت-11 ] . وقيل : سجود الأشياء تذللها وتسخرها لما أريدت له وسخرت له . وقيل : سجود الجمادات ومالا يعقل : ظهور أثر الصنع فيه ، على معنى أنه يدعو الغافلين إلى السجود عند التأمل والتدبر فيه ، قال الله تعالى { سنريهم آياتنا في الآفاق } [ فصلت-53 ] . { والملائكة } ، خص الملائكة بالذكر مع كونهم من جملة ما في السماوات والأرض تشريفاً ورفعاً لشأنهم . وقيل لخروجهم من الموصوفين بالدبيب إذ لهم أجنحة يطيرون بها . وقيل ، أراد : ولله يسجد ما في السماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة ، وتسجد الملائكة . { وهم لا يستكبرون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

ثم أتبع - سبحانه - هذه الآية الكريمة ، بآيات أخرى مؤكدة لها ، ومبينة أن كل المخلوقات لن تمتنع عن السجود لله - تعالى - ، سواء أكانت لها ظلال أم لا ، فقال - سبحانه - : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ . . } .

والدابة : كل ما يدب على وجه الأرض ، مشتقة من الدب بمعنى الحركة .

قال الجمل : " قال العلماء ، السجود على نوعين : سجود طاعة وعبادة كسجود المسلم لله - عز وجل - وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال فقوله : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } . يحتمل النوعين ، لأن سجود كل شئ بحسبه ، فسجود المسلمين والملائكة سجود طاعة وعبادة ، وسجود غيرهم سجود خضوع وانقياد . . " .

وأوثرت " ما " الموصولة على من ، تغليبا لغير العقلاء ، لكثرتهم ولإِرادة العموم .

وقوله : { من دابة } بيان لما فى الأرض ، إذ الدابة ما يدب على الأرض أو - كما يقول الآلوسى - " بيان لما فيهما ، بناء على أن الدبيب هو الحركة الجسمانية ، سواء أكانت فى أرض أم سماء . . " .

وقوله { والملائكة } معطوف على " ما " فى قوله { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } من باب عطف الخاص على العام .

وخصهم - سبحانه - بالذكر تشريفا لهم . ورفعا لمنزلتهم ، وتعريضا بالمشركين الذين عبدوا الملائكة . أو قالوا هم بنات الله .

قوله { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أى : والملائكة لا يستكبرون عن إخلاص العبادة له ، وعن السجود لذاته - سبحانه - بل هم عباد مكرمون

{ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات وما في الأرض من دابّة يدبّ عليها ، والملائكة التي في السموات ، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة . وَالّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بالاَخِرَةِ قُلُوبهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون .

وكان بعض نحويّي البصرة يقول : اجتزىء بذكر الواحد من الدوابّ عن ذكر الجميع . وإنما معنى الكلام : ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من الدوابّ والملائكة ، كما يقال : ما أتاني من رجل ، بمعنى : ما أتاني من الرجال .

وكان بعض نحويّي الكوفة يقول : إنما قيل : من دابة ، لأن «ما » وإن كانت قد تكون على مذهب الذي ، فإنها غير مؤقتة ، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الجزاء ، والجزاء يدخل من فيما جاء من اسم بعده من النكرة ، فيقال : من ضربه من رجل فاضربوه ، ولا تسقط «مِن » مِن هذا الموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالاً ل «من » و «ما » ، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير موقتتين ، فكان دخول من فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما ، وكان دخول من أدلّ على ما لم يوقت من من وما ، فلذلك لم تلغيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

{ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض } أي ينقاد انقيادا يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وأمره طوعا ليصح إسناده إلى عامة أهل السماوات والأرض وقوله : { من دابة } بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كانت في أرض أو سماء . { والملائكة } عطف على المبين به عطف جبريل على الملائكة للعظيم ، أو عطف المجردات على الجسمانيات ، وبه احتج من نقال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في الأرض والملائكة تكرير لما في السماوات وتعيين له إجلالا وتعظيما ، أو المراد بها ملائكتها من الحفظة وغيرهم ، وما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليبا للعقلاء . { وهم لا يستكبرون } عن عبادته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

وقعت { ما } في هذه الآية لما يعقل ، قال الزجاج : قوله { ما في السماوات } يعم ملائكة السماء وما في السحاب وما في الجو من حيوان ، وقوله { وما في الأرض من دابة } بين ، ثم ذكر ملائكة الأرض في قوله { والملائكة } ويحتمل أن يكون قوله : { والملائكة } هو الذي يعم «السماوات والأرض » ، وما قبل ذلك لا يدخل فيه ملك ، إنما هو للحيوان أجمع .