لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

قوله عز وجل { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } قال العلماء : السجود على نوعين سجود طاعة ، وعبادة كسجود المسلم لله عز وجل ، وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال فقوله : ولله يسجد ما في السموات ، وما في الأرض من دابة يحتمل النوعين لأن سجود كل شيء بحسبه فسجود المسلمين ، والملائكة لله سجود عبادة وطاعة وسجود غيرهم سجود انقياد وخضوع وأتى بلفظ ما في قوله ما في السموات وما في الأرض للتغليب لأن ما لا يعقل أكثر ممن يعقل في العدد ، والحكم للأغلب كتغليب المذكر على المؤنث ، ولأنه لو أتى بمن التي هي للعقلاء لم يكن فيها دلالة على التغليب بل كانت متناولة للعقلاء خاصة فأتى بلفظة ما ليشمل الكل ، ولفظة الدابة مشتقة من الدبيب وهو عبارة عن الحركة الجسمانية ، فالدابة اسم يقع على كل حيوان جسماني يتحرك ويدب فيدخل فيه الإنسان ، لأنه مما يدب على الأرض ولهذا أفرد الملائكة في قوله { والملائكة } لأنهم أولو أجنحة يطيرون بها أو أفردهم بالذكر ، وإن كانوا من جملة من في السموات لشرفهم . وقيل : أراد ولله يسجد ما في السموات من الملائكة ، وما في الأرض من دابة فسجود الملائكة والمسلمين للطاعة ، وسجود غيرهم تذليلها وتسخيرها لما خلقت له وسجود ما لا يعقل ، وسجود الجمادات يدل على قدرة الصانع سبحانه وتعالى ، فيدعو الغافلين إلى السجود لله عند التأمل والتدبر { وهم لا يستكبرون } يعني الملائكة .