البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ} (49)

ولما كان سجود الظلال في غاية الظهور بدئ به ، ثم انتقل إلى سجود ما في السموات والأرض .

ومن دابة : يجوز أن يكون بياناً لما في الظرفين ، ويكون مَن في السموات خلق يدبون .

ويجوز أن يكون بياناً لما في الأرض ، ولهذا قال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض .

وعطف والملائكة على ما في السموات وما في الأرض ، وهم مندرجون في عموم ما تشريفاً لهم وتكريماً ، ويجوز أن يراد بهم الحفظة التي في الأرض ، وبما في السموات ملائكتهنّ ، فلم يدخلوا في العموم .

وقيل : بين تعالى في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله ، بين أنّ أشرف الموجودات وهم الملائكة ، وأخسها وهي الدواب منقادة له تعالى ، ودل ذلك على أن الجميع منقاد لله تعالى .

وقيل : الدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب ، فلما ميز الله تعالى الملائكة عن الدابة ، علمنا أنها ليست مما يدب ، بل هي أرواح مختصة بحركة انتهى .

وهو قول فلسفي .

ولما كان بين المكلفين وغيرهم قدر مشترك في السجود وهو الانقياد لإرادة الله ، جمع بينهما فيه وإن اختلفا في كيفية السجود .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فهلا جيء بمن دون ما تغليباً للعقلاء من الدواب على غيرهم ؟ ( قلت ) : لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب ، فكان متناولاً للعقلاء خاصة ، فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم انتهى .

وظاهر السؤال تسليم أنّ من قد تشمل العقلاء وغيرهم على جهة التغليب ، وظاهر الجواب تخصيص من بالعقلاء ، وأنّ الصالح للعقلاء وغيرهم ما دون من ، وهذا ليس بجواب ، لأنه أورد السؤال على التسليم ، ثم ذكر الجواب على غير التسليم فصار المعنى : أن من يغلب بها ، والجواب لا يغلب بها ، وهذا في الحقيقة ليس بجواب ،