وقوله : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ49 }
فقال : ( مِن دابة ) لأن ( ما ) وإن كانت قد تكون على مذهب ( الذي ) فإنها غير مؤقّتة ، وإِذا أُبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء . والجزاء تدْخل ( مِن ) فيما جاء من اسم بعده من النكرة . فيقال : مَن ضربه من رجُل فاضربوه . ولا تسقط من في هذا الموضع . وهو كثير في كتاب الله عزَّ وجلَّ . قال الله تبارك وتعالى { ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ } وقال { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وقال { أَوَلم يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شيء } ولم يقل في شيء منه بطرح ( مِنْ ) كراهِيَة أن تُشبه أن تكون حالا لَمن وَما ، فجعلوه بمِن ليدلّ على أنه تفسير لما ومَن لأنهما غير مؤقّتتين ، فكان دخول ( مِن ) فيما بعدهما تفسيراً لمعْناهما ، وكان دخول ( مِن ) أدلَّ على ما لم يوقّت مِنْ مَن وما ، فلذلك لم تُلْقَيَا . ومثله قول الشاعر :
حاز لك الله ما آتاك من حَسَنٍ *** وَحيثما يقضِ أمراً صَالحا تكُنِ
عُمْرا حَييت ومَن يشناكَ من أحد *** يَلْق الهوان ويلق الذلّ والغِيَرا
فدلّ مجيء أحدِها هنا على أنه لم يُرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها ، ودلَّ على أنه مترجم عن معنى مَن وما . ومِما يدلُّ أيضاً قول الله عزَّ وجلّ { وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ } لأن الشيء لا يكون حالاً ، ولكنه اسم مترجم . وإنما ذكرْت هذا لأن العرب تقول : لله دَرُّه مِن رجل ، ثم يُلقونَ ( مِن ) فيقولون لله دَرّه . رجلاً . فالرجل مترجم ( لما قبله ) وليس بحال ، إنّما الحال التي تَنتقل ؛ مثل القيام والقعود ، ولم تُرد لله دَرّه في حال رجوليَّته فقط ، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح ؛ لأنك إذا قلت : لله دَرّكَ قائما ، فإنما تمدحه في القيام وحده .
فإن قلت : فكَيف جَاز سقوط مِن في هَذَا الموضع ؟ قلت مِن قِبَل أن الذي قبله مؤقت فلَمْ أُبَلْ أن يخرج بطرح من كالحال ، وكان في الجزاء غير موقت فكرهُوا أن تفسَّر حال عن اسْم غير موقّت فألزموها مِن . فإن قلت : 95 ب قد قالت العرب : ما أتاني مِن أحدٍ وما أَتاني أحد فاستجازوا إلقاء مِن . قلت : جاز ذلك إذْ لم يكن قَبْل أحد وما أتى مثله شيء يكون الأَحد له حالا فلذلك قالوا : ما جاءني من رجل وما جاءني رجل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.