{ ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } قال الأخفش : أي من الدواب : وأخبر بالواحد كما تقول : ما أتاني من رجل مثله وما أتاني من الرجال مثله .
وقال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض ، والوجه في تخصيص الدابة والملائكة بالذكر أنه علم من آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة له ، فبين في هذه الآية أن الحيوانات بأسرها أيضاً كذلك . ثم عطف عليها الملائكة إما لشرفها وإما لأنها ليست مما يدب ولكنها تطير بالجناحين ، وبين النوعين مغايرة لقوله :
{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] وعلى قاعدة الحكماء : وجه المغايرة أنها أرواح مجردة ليست من شأنها الحركة والدب . قال جار الله : ومن دابة يجوز أن يكون بياناً لما في السموات وما في الأرض جميعاً ، على أن في السموات خلقاً لله يدبون فيها كما يدب الأناسيّ في الأرض ، وأن يكون بياناً لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات الخلق الذي يقال له الروح ، وأن يكون بياناً لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات الملائكة . وكرر ذكرهم على معنى والملائكة خصوصاً من بين الساجدين لأنهم أطوع الخلق وأعدلهم ، ويجوز أن يراد بما في السموات ملائكتهن ، وبقوله : { والملائكة } ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم انتهى كلامه . ثم شرع سبحانه في صفة الملائكة وذكر عصمتهم قال : { وهم لا يستكبرون يخافون } على أنه حال منهم أو بيان لنفي استكبارهم لأن الخوف أثره عدم الاستكبار . وقوله { من فوقهم } إما أن يتعلق ب[ يخافون } والمعنى يخافون ربهم أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم ، وإما أن يكون حالاً من الرب أي يخافونه غالباً قاهراً . وبحث الفوقية قد تقدم في الأنعام في قوله : { وهو القاهر فوق عباده } { الأنعام : 18 ] زعم بعض الطاعنين في عصمة الملائكة أنه تعالى وصفهم بالخوف وحصول الخوف نتيجة تجويز الإقدام على الذنوب ، وهب أنهم فعلوا كل ما أمروا به فمن أين علم أنهم تركوا كل ما نهوا عنه ؟ والجواب عن الأوّل أنهم إنما يخافون من العذاب لقوله تعالى : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } [ الأنبياء : 29 ] فمن هذا الخوف يتركون الذنب . وعن ابن عباس أن هذا الخوف خوف الإجلال كقوله :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] ولا ريب أنه كلما كانت معرفة جلال الله أتم كانت الهيبة والحيرة أعظم . وعن الثاني أن النهي عن الشيء أمر بتركه ، وفي الآية دلالة على أن إبليس لم يكن من الملائكة لأنه أبى واستكبر وإنهم لا يستكبرون . وقد يستدل بها على أن الملك أفضل من البشر بل من كل المخلوقات وإلا لما خصهم بالذكر من بينها ، ولخلو بواطنهم وظواهرهم عن الأخلاق الذميمة وانغماس البشر في الدواعي الشهوية والغضبية ، ولهذا ورد في حقه { قتل الإنسان ما أكفره } [ عبس : 17 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " ما منا إلا من قد عصى أو هم بمعصية غير يحيى بن زكريا " وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " فضل الشيخ على الشاب لتقادم عهده وطول مدته ، ولا شك أن الملائكة خلقوا قبل البشر بسنين متطاولة وقرون متمادية ، وأنهم سنوا الطاعة والعبودية ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها . وتمام البحث في هذه المسألة مذكور في أول سورة البقرة . وفي قوله : { ما يؤمرون } دلالة على أن الملائكة مكلفون بالأمر والنهي والوعد والوعيد راجين خائفين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.