قوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } الآية قد تقدم أن السجود على نوعين :
سجود كسجود الصلاة بوضع الجبهة على الأرض ، وسجود هو انقياد وخضوع ؛ فلهذا قال بعضهم : المراد بالسجود ههنا : الانقيادُ والخضوع ؛ لأنه اللائق بالدابة .
وقيل : السجود حقيقة ؛ لأنه اللائق بالملائكة عليهم الصلاة والسلام .
وقيل : السجود لفظ مشتركٌ بين المعنيين ، وحمل اللفظ المشترك [ على إفادة مجموع معنيين جائز ، فيحمل لفظ السجود ههنا على المعنيين معاً ، أما في حق الدابة فبمعنى التواضع ، وأما في حق الملائكة فبمعنى السجود الحقيقي ؛ وهذا ضعيف ؛ لأن استعمال اللفظ المشترك ]{[19856]} في جميع مفهوماته معاً غير جائز .
قوله تعالى : { مِن دَآبَّةٍ } يجوز أن يكون بياناً ل { مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } ويكون لله تعالى في سمائه خلق ؛ يدبون كما يدبُّ الخلق الذي في الأرض ، ويجوز أن يكون بياناً ل { مَا فِي الأرض } فقط .
قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : هلاَّ جيء ب " مَنْ " دون " ما " تغليباً للعقلاءِ على غيرهم ؟ .
قلت : إنه لو جيء ب " مَنْ " لم يكن فيه دليلٌ على التغليب ، بل كان متناولاً للعقلاء خاصة ، فجيء بما هو صالح للعقلاء ، وغيرهم ؛ إرادة للعموم " .
قال أبو حيَّان{[19857]} : " وظاهر السؤال تسليم أنَّ مَنْ قد تشتمل العقلاء ، وغيرهم على جهة التغليب ، وظاهر الجواب تخصيص " مَنْ " بالعقلاءِ ، وأنَّ الصالح للعقلاء ما دون " مَنْ " ، وهذا ليس بجوابٍ لأنه أورد السؤال على التسليم ، ثمَّ أورد الجواب على غير التسليم ، فصار المعنى أنَّ من يغلب بها ؛ والجواب لا يغلب بها ، وهذا في الحقيقة ليس بجواب " .
قال الأخفش : قوله : " مِنْ دَابَّةٍ " يريد من الدَّواب ، وأخبر بالواحدِ ؛ كما تقول : ما أتَانِي من رجلٍ مثله ، وما أتَانِي من الرِّجالِ مثلهُ .
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " يريد كل دابَّة على الأرضِ{[19858]} " .
فإن قيل : ما الوجه في تخصيص الملائكة ، والدواب بالذكر ؟ .
الأول : أنَّه تعالى بيَّن في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله - سبحانه وتعالى - وبين بهذه الآية أنَّ الحيوانات بأسرها منقادة لله - تعالى - لأن أخسَّها الدوابُّ ، وأشرفها الملائكة - عليهم الصلاة والسلام - فلما بين في أخسها ، وفي أشرفها كونها منقادة خاضعة لله - تعالى - كان ذلك دليلاً على أنها بأسرها منقادة خاضعة لله تعالى .
الثاني : قال حكماءُ الإسلام : الدابَّةُ : اشتقاقها من الدَّبيب ، والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانيَّة ؛ فالدابة اسمٌ لكلِّ حيوان يتحرك ويدبُّ ، فلما ميَّز الله الملائكة عن الدابة ؛ علمنا أنَّها ليست مما يدبُّ ؛ بل هي أرواحٌ محضةٌ مجردة ، وأيضاً فإن الطيران بالجناح مغاير للدبيب ؛ لقوله { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] .
{ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } يجوز أن تكون الجملة استئنافاً أخبر عنهم بذلك ، وأن يكون حالاً من فاعل " يسجد " .
قوله " يَخَافُونَ " فيها وجهان :
أن تكون مفسرة لعدم استكبارهم ، كأنه قيل : ما لهم يستكبرون ؟ فأجيب بذلك ، ويحتمل أن يكون حالاً من فاعل " لا يَسْتَكْبِرُونَ " ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.