معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

قوله تعالى : { لا تركضوا } يعني : قيل لهم لا تركضوا لا تهربوا لا تذهبوا { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } يعني : نعمتم به { ومساكنكم لعلكم تسألون } قال ابن عباس : عن قتل نبيكم . وقيل : من دنياكم شيئاً ، نزلت هذه الآية في أهل حضرموت ، وهي قرية باليمن وكان أهلها من العرب ، فبعث الله إليهم نبياً يدعوهم إلى الله ، فكذبوه وقتلوه ، فسلط الله عليهم بختنصر حتى قتلهم وسباهم ، فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا ، فقالت الملائكة لهم استهزاءً : لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون . قال قتادة : لعلكم تسألون شيئاً من دنياكم ، فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم ، فإنكم أهل ثروة ونعمة ، يقولون ذلك استهزاءً بهم ، فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ، ونادى مناد في جو السماء يا ثارات الأنبياء ، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم . { فقالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

وقوله - سبحانه - : { لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ } حكاية لما تقوله لهم الملائكة - وهم يركضون هربا - على سبيل التهكم والاستهزاء .

أى : يقال لهم من جهة الملائكة أو من جهة المؤمنين لا تركضوا هاربين { وارجعوا إلى } قريتكم وإلى { مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أى : وإلى ما نعمتم فيه من العيش الهنىء ، والخير الوفير ، الذى أبطركم وجعلكم تجحدون النعم ، ولم تستعملوها فيما خلقت له .

فقوله : { أُتْرِفْتُمْ } من الترفه - بالتاء المشددة مع الضم - وهى النعمة والطعام الطيب . يقال : ترف فلان - كفرح - إذا تنعم . وفلان أترفته النعمة ، إذا أطغته أو نعمته .

وقوله : { وَمَسَاكِنِكُمْ } معطوف على { مَآ } .

أى : لا تهربوا وارجعوا إلى ما نعمتم فيه من العيش الهنىء ، وإلى مساكنكم التى كنتم تسكنونها ، وتتفاخرون بها .

{ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أى يقصدكم غيركم لسؤالكم عما نزل بكم ، فتجيبوا عن علم ومشاهدة .

قال صاحب الكشاف : " قوله { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } تهكم بهم وتوبيخ ، أى : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم . فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة .

أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم فى مجالسكم ، وترتبوا فى مراتبكم حتى يسألكم حشمكم وعبيدكم ، ومن تملكون أمره . وينفذ فيه أمركم ونهيكم ، ويقول لكم : بم تأمرون ؟ وبماذا ترسمون ؟

وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدَّمين .

أو يسألكم الناس فى أنديتكم . . . ويستشيرونكم فى المهمات . ويستضيئون بآرائكم .

أو يسألكم الوافدون عليكم ، ويستمطرون سحائب أكفكم . . . قيل لهم ذلك تهكما إلى تهكم ، وتوبيخا إلى توبيخ " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُوَاْ إِلَىَ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْأَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : لا تهربوا وارجعوا إلى ما أُترفتم فيه : يقول : إلى ما أُنعمتم فيه من عيشتكم ومساكنكم كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَسَاكِنِكُمْ تُسْئَلُونَ يعني من نزل به العذاب في الدنيا ممن كان يعصي الله من الأمم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا تَرْكُضُوا : لا تفرّوا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة : وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ يقول : ارجعوا إلى دنياكم التي أُترفتم فيها .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة : وَارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ قال : إلى ما أُترفتم فيه من دنياكم .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ فقال بعضهم : معناه : لعلكم تفقهون وتفهمون بالمسألة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال : تفقهون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ قال : تفقهون .

وقال آخرون : بل معناه لعلكم تُسئلون من دنياكم شيئا على وجه السخرية والاستهزاء . ذكر من قال ذلك :

حدثني بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ استهزاء بهم .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَعَلّكُمْ تُسْئَلُونَ من دنياكم شيئا ، استهزاء بهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

{ لا تركضوا } على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال ، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين . { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة . { ومساكنكم } التي كانت لكم . { لعلكم تسئلون } غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

يحتمل قوله تعالى : { لا تركضوا } إلى آخر الآية أن يكون من قول رجال بختنصر على الرواية المتقدمة فالمعنى على هذا أنهم خدعوهم واستهزؤوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم لا تفروا { وارجعوا } إلى مواضعكم { لعلكم تسألون } صلحاً أو جزية أو أمراً يتفق عليه ، فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادي فيهم يا لثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم ع ، هذا كله مروي ، ويحتمل أن يكون { لا تركضوا } إلى آخر الآية من كلام ملائكة العذاب ، على التأويل الآخر أن الآيات وصف قصة كل قرية وأنه لم يرد تعيين حصورا ولا غيرها ، فالمعنى على هذا أن أهل هذه القرية كانوا باغترارهم يرون أنهم من الله تعالى بمكان وأنه لو جاءهم عذاب أو أمر لم ينزل بهم حتى يخاصموا أو يسألوا عن وجع تكذيبهم لنبيهم فيحتجون هم عند ذلك بحجج تنفعهم في ظنهم ، فلما نزل العذاب دون هذا الذي أملوه وركضوا فارين نادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم { لا تركضوا وارجعوا } { لعلكم تسألون } كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم ، ثم يكون قوله { حصيداً } أي بالعذاب تركضوا كالحصيد ، و «الإتراف » التنعيم .

قال بعض الناس { تسألون } معناه تفهمون وتفقهون . قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ .

وقالت فرقة { تسألون } معناه شيئاً من أموالكم وعرض دنياكم على وجه الهزء .