فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

{ لا تركضوا } أي لا تهربوا ، قيل إن الملائكة نادتهم بذلك عند فرارهم وقيل : إن القائل لهم ذلك من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم { وارجعوا إلى ما أترفتم } يعني ما تنعمتم { فيه } من الدنيا ولين العيش ، يعني إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم وكفركم ، والمترف المنعم ، يقال أترف فلان أي وسع عليه في معاشه ، وقل فيه همه .

وقال سعيد بن جبير : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم { ومساكنكم } التي تسكتونها وتفتخرون بها { لعلكم تسألون } أي تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات ، وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم .

وقيل : المعنى لعلكم تسألون عما نزل بكم وجرى عليكم من العقوبة فتخبرون السائل عن علم ومشاهدة . وقيل : لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم ، أو تسألون شيئا من دنياكم على العادة فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم ، فإنكم أهل نعمة وثروة ؛ وهذا كله توبيخ وتهكم بهم وقيل غير ذلك .

قال المفسرون وأهل الأخبار : إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن وكان أهلها عربا ، وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبيا اسمه شعيب بن مهدم . وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له صنين ، وبينه وبين حضور نحو بريد ، قالوا وليس هو شعيبا صاحب مدين ( قلت ) وآثار القبر بجبل صنين موجودة ، والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم ، فلما كذبوه وقتلوه أتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ونادى مناد من جو السماء يا لثارات الأنبياء ، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم .

/خ15