قوله تعالى :{ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } معناه ألم تر إلى مد ربك الظل ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، جعله ممدوداً لأنه ظل لا شمس معه ، كما قال :في ظل الجنة ، { وظل ممدود } لم يكن معه شمس { ولو شاء لجعله ساكناً } دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس . قال أبو عبيدة : الظل : ما نسخته الشمس ، وهو بالغداة ، والفيء : ما نسخ الشمس ، وهو بعد الزوال ، سمي فيئاً لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب ، { ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً } أي : على الظل . ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل ، ولولا النور لما عرفت الظلمة ، والأشياء تعرف بأضدادها .
ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله - تعالى - وعن جانب من الآلاء التى أنعم بها على عباده ، فإن من شأن هذه النعم المبثوثة فى هذا الكون ، أن تهدى المتفكر فيها إلى منشئها وواهبها وإلى وجوب إخلاص العبادة له ، قال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ . . . } .
قال القرطبى : قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل . . } يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين ، ويجوز أن تكون من العلم .
قال الحسن وقتادة وغيرهما : مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . وحكى أبو عبيدة عن رؤبة أنه قال : " كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فىء وظل ، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل " .
والجملة الكريمة شروع فى بعض دلائل قدرته - سبحانه - وواسع رحمته ، إثر بيان جهالات المشركين ، وغفلتهم عما فى هذا الكون من آثار تدل على وحدانية الله - تعالى - .
والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام للتقرير .
والمعنى لقد رأيت - أيها الرسول الكريم - بعينيك ، وتأملت بعقلك وبصيرتك ، فى صنع ربك الذى أحسن كل شىء خلقه ، وكيف أنه - سبحانه - مد الظل ، أى : بسطه وجعله واسعا متحركا مع حركة الأرض فى مواجهة الشمس ، وجعله مكانا يستظل فيه الناس من وهج الشمس وحرها ، فيجدون عنده الراحة بعد التعب . . . وهذا من عظيم رحمة ربك بعباده .
وقوله - تعالى - : { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } جملة معترضة لبيان مظهر من مظاهر قدرته - تعالى - . أى : " ولو شاء " - سبحانه - لجعل هذا الظل " ساكنا " أى : ثابتا دائما مستقرا على حالة واحدة بحيث لا تزيله الشمس ، ولا يذهب عن وجه الأرض ، ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك ، لأن مصلحة خلقه ومنفعتهم فى وجوده على الطريقة التى أوجده عليها بمقتضى حكمته .
وقوله - سبحانه - : { ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً } معطوف على قوله { مَدَّ الظل } داخل فى حكمه . أى : ألم ترى إلى عجيب صنع ربك كيف مد الظل ، ثم جعلنا بقدرتنا وحكمتنا الشمس دليلا عليه ، إذ هو يزول بتسلطها عليه ويظهر عند احتجاجها عنه ، ويستدل بأحوالها على أحواله ، فهو يتبعها كما يتبع الإنسان من يدله على الشىء ، من حيث إنه يزيد كلما احتجبت عنه ، ويتقلص كلما ظهرت عليه .
قال الجمل : قوله : { ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً } أى : جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شىء ، لأن الأشياء تعرف بأضدادها ، ولولا الشمس ما عرف الظل ، ولولا النور ما عرفت الظلمة . . . ولم يؤنث الدليل - وهو صفة الشمس - لأنه فى معنى الاسم ، كما يقال : الشمس برهان ، والشمس حق .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَىَ رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمّ جَعَلْنَا الشّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ألَمْ تَرَ يا محمد كَيْفَ مَدّ ربك الظّلّ ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّك كَيْفَ مَدّ الظّلّ يقول : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ قال : مدّه ما بين صلاة الصبح إلى طلوع الشمس .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله ألمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ وَلَوْ شاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا قال : الظلّ : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا أبو محصن ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ قال : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله كَيْفَ مَدّ الظّلّ قال : ظلّ الغداة قبل أن تطلع الشمس .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : الظلّ : ظلّ الغداة .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرِمة ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ قال : مدّه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ يعني من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس .
قوله : وَلَوْ شاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا يقول : ولو شاء لجعله دائما لا يزول ، ممدودا لا تذهبه الشمس ، ولا تنقصه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ شاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا يقول : دائما .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَوْ شاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا قال : لا تصيبه الشمس ولا يزول .
حدثنا القاسم : قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وَلَوْ شَاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا قال : لا يزول .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولَوْ شَاءَ لجَعَلَهُ ساكِنا قال : دائما لا يزول .
وقوله ثُمّ جَعَلْنا الشّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يقول جلّ ثناؤه : ثم دللناكم أيها الناس بنسخ الشمس إياه عند طلوعها عليه ، أنه خلْق من خلق ربكم ، يوجده إذا شاء ، ويفنيه إذا أراد والهاء في قوله «عليه » من ذكر الظلّ . ومعناه : ثم جعلنا الشمس على الظلّ دليلاً . قيل : معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس التي تنسخه لم يعلم أنه شيء ، إذا كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، نظير الحلو الذي إنما يعرف بالحامض والبارد بالحارّ ، وما أشبه ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ثُمّ جَعَلْنا الشّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يقول : طلوع الشمس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ثُمّ جَعَلْنَا الشّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً قال : تحويه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ثُمّ جَعَلْنا الشّمْسَ عَليْهِ دَلِيلاً قال : أخرجت ذلك الظلّ فذهبت به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.