اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا} (45)

قوله تعالى{[36287]} : { أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل } الآية . لما بين جهل المعرضين عن دلائل التوحيد ، وبين فساد طريقهم ذكر أنواعاً من الدلائل الدالة على وجود الصانع ، فأولها الاستدلال بحال الظل في زيادته ونقصانه ، وتغير أحواله{[36288]} قوله : «ألم تر » فيه وجهان{[36289]} :

أحدهما : أنه من رؤية العين .

والثاني : أنه من رؤية القلب ، يعني : العلم ، فإن حملناه على رؤية العين ، فالمعنى : أَلَمْ تَرَ إلى الظل كيف مده ربُّك ، وإن حملناه على العلم وهو اختيار الزجاج{[36290]} ، فالمعنى : ألم تعلم ، وهذا أولى ، لأن الظل إذا جعلناه من المبصرات فتأثير قدرة الله في تمديده غير مرئي بالاتفاق ولكنه{[36291]} معلوم من حيث أن كل مبصر فله مؤثر ، فحمل هذا اللفظ على رؤية القلب أولى من هذا الوجه{[36292]} . وهذا الخطاب وإن{[36293]} كان ظاهره للرسول فهو عام في المعنى ، لأن المقصود بيان نعم الله تعالى{[36294]} بالظل ، وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لهذه{[36295]} النعمة{[36296]} و «كَيْفَ » منصوبة ب «مَدَّ » ، وهي معلقة ل «تَرَ » فهي في موضع نصب{[36297]} ، وقد تقدم القول في «أَلَمْ تَرَ »{[36298]} .

فصل{[36299]}

الظل عبارة عن عدم الضوء مما شأنه أن يضيء ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، جعله ممدوداً ، لأنه ظل لا شمس{[36300]} معه ، كما قال في ظل الجنة { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] إذ{[36301]} لم يكن معه شمس{[36302]} ، { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } دائماً ثابتاً{[36303]} لا يزول ولا تذهبه{[36304]} الشمس{[36305]} .

وقال أبو عبيدة : الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس{[36306]} . سمي فيئاً ، لأنه فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق{[36307]} ، { ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً } ، أي : على الظل دليلاً ، ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرفت الظل ، ولولا النور ما عرف الظلمة ، والأشياء تُعْرَفُ بأضدادها{[36308]} .

قال الزمخشري : فإن قُلتَ : «ثم »{[36309]} في هذين الموضعين كيف موقعها قلت موقعها لبيان تفاضل{[36310]} الأمور الثلاث{[36311]} ، كأن الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم منهما تشبيهاً لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بينهما{[36312]} في الوقت{[36313]} .


[36287]:تعالى: سقط من ب.
[36288]:انظر الفخر الرازي 24/88.
[36289]:في ب: وجهين. وهو تحريف.
[36290]:فإنه قال: (والأجود أن يكون بمعنى: ألم تعلم) معاني القرآن وإعرابه 4/70.
[36291]:في ب: ولكن هو.
[36292]:انظر الفخر الرازي 24/88.
[36293]:في ب: إن.
[36294]:تعالى: سقط من ب.
[36295]:في ب: بهذه.
[36296]:انظر الفخر الرازي 24/88.
[36297]:انظر البحر المحيط 6/502 – 503.
[36298]:عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} [البقرة: 243].
[36299]:في ب: قوله.
[36300]:في ب: لأنه ظل للشمس.
[36301]:في ب: ما.
[36302]:انظر البغوي 6/180 – 181.
[36303]:في ب: ما شاء.
[36304]:في ب: ولا يذهب.
[36305]:انظر مجاز القرآن 2/75.
[36306]:انظر مجاز القرآن 2/75.
[36307]:انظر البغوي 6/181، القرطبي 13/37.
[36308]:انظر البغوي 6/181.
[36309]:ثم: سقط من ب.
[36310]:في ب: مفاضل.
[36311]:في الكشاف: الثلاثة.
[36312]:في الكشاف: ما بين الحوادث.
[36313]:الكشاف 3/99.