{ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ } أي : على أي وجه { مَدَّ الظِّلَّ ؟ } هذه الرؤية إما بصرية ، والمراد بها ألم تبصر إلى صنع ربك ؟ أو ألم تبصر إلى الظل ؟ كيف مده ربك ؟ وإما قلبية ، بمعنى العلم ، فإن الظل متغير وكل متغير حادث ولكل حادث موجد . قال الزجاج : { ألم تر } : ألم تعلم ؟ وهذا من رؤية القلب ، قال : وهذا الكلام على القلب ، والتقدير : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك ، يعني الظل من وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس ، وهو ظل لا شمس معه ، وبه قال الحسن وقتادة . وقيل : هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها ، قال القرطبي : والأول أصح ، والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة أطيب من تلك الساعة ، فإن فيها يجد المريض راحة ، والمسافر ، وكل ذي علة ، وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد ، وتطيب نفوس الأحياء فيها ، وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب ، وقال أبو العالية : نهار الجنة هكذا ، وأشار إلى ساعة المصلين إلى ساعة المصلين صلاة الفجر .
قال أبو عبيدة : الظل بالغداة ، والفيء بالعشي ، لأنه يرجع بعد زوال الشمس ، سمي فيئا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب ، وقال ابن السكيت : الظل ما نسخته الشمس ، والفيء ما نسخ الشمس ، وعن رؤية قال : كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء ، وظل ، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ، انتهى . وحقيقة الظل أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة ، وهذا التوسط هو أعدل من الطرفين ، وأطيب الأحوال ، لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع ، وينفر عنها الحس ، والضوء الكامل لقوته يبهر الحس البصري ، ويؤذي بالتسخين ، ولذلك وصفت به الجنة في قوله :
{ وظل ممدود } قال أبو السعود ، وأما ما قيل من أن المراد بالظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس فغير سديد ، إذ لا ريب في أن المراد تنبيه الناس على عظم قدرة الله عز وجل ، وبالغ حكمته فيما يشاهدونه ، فلا بد أن يراد بالظل ما يتعارفونه من حالة مخصوصة يشاهدونها ، في موضع يحول بينه وبين الشمس جسم كثيف ، مخالفة لما في جوانبه من مواقع ضح الشمس وما ذكر ؛ وإن كان في الحقيقة ظلا للأفق الشرقي ، لكنهم لا يعدونه ظلا ، ولا يصفونه بأوصافه المعهودة ، انتهى .
وعن ابن عباس قال : كيف مد الظل أي : بعد الفجر ، قبل أن تطلع الشمس ، وعنه قال : ألم تر أنك إذا صليت الفجر ، كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ؟ ثم بعث الله عليه الشمس دليلا فقبض الظل ، وعنه قال : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبه قال الجمهور ، واعترض عليه بأنه لا يسمى ظلا لأنه من بقايا الليل واقع في غير النهار ، ومعنى الآية كيف أنشأ ظلا لأي مظل كان من جبل أو بناء أو شجر عند ابتداء طلوع الشمس ممتدا ، وأنه تعالى مده ، بعد أن لم يكن كذلك ، كما بعد نصف النهار إلى غروبها ، فإن ذلك مع خلوه عن التصريح يكون نفسه بإنشائه تعالى وإحداثه يأباه سياق النظم الكريم .
{ وَلَوْ شَاء } سكونه { لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } ثابتا دائما لا يزول ، ومستقرا لا تنسخه الشمس ، ولا يذهب عن وجه الأرض ، وقيل : المعنى ولو شاء لمنع الشمس الطلوع ، فلا يزول ، أو جعلها مسلوبة الضوء ، والأول أولى ، والتعبير بالسكون عن الإقامة والاستقرار شائع ، ومنه قولهم : سكن فلان بلد كذا إذا أقام به ، واستقر فيه { ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ } أي على الظل بنسخها إياه عند مجيئها { دَلِيلًا } أي : حجة وبرهانا . وعلامة يستدل بأحوالها على أحواله ، وذلك لأن الظل يتبعها ، كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص ، ويمتد ويتقلص والمعنى أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل ، ولولا النور لما عرفت الظلمة ، فالأشياء تعرف بأضدادها ، ولم يؤنث الدليل ، وهو صفة للشمس لأنه في معنى الاسم ، كما يقال : الشمس برهان ، والشمس حق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.