السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا} (45)

ولما بين تعالى جهل المعرضين عن دلائل التوحيد وبين فساد طريقهم ذكر أنواعاً من الدلائل على وجود الصانع . أولها : الاستدلال بالنظر إلى حال الظل مخاطباً رأس المخلصين الناظرين هذا النظر حثاً لأهل وده على مثل ذلك بقوله تعالى : { ألم ترَ } أي : تنظر { إلى ربك } أي : إلى صنعه وقدرته { كيف مد الظل } وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بجعله ممدوداً ؛ لأنه ظل لا شمس معه ، كما قال تعالى في ظل الجنة : { وظل ممدود } ( الواقعة ، 30 ) إذ لم يكن معه شمس وإن كان بينهما فرق وهو الليل لأن ظل الأرض الممدود على قريب من نصف وجهها مدة تحجب نور الشمس عما قابل قرصها من الأرض حتى امتد بساطه وضرب فسطاطه كما حجب ظل ضلالهم أنوار عقولهم وغفلة طباعهم نفوذ أسماعهم { ولو شاء لجعله } أي : الظل { ساكناً } أي : دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس لاصقاً بأصل كل مظل من جبل وبناء وشجر غير منبسط فلم ينتفع به أحد ، سمى انبساط الظل وامتداده تحركاً منه وعدم ذلك سكوناً لكنه تعالى لم يشأ بل جعله متحركاً كما يسوق الشمس له ، وقال أبو عبيدة : الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال سمي فيئاً ؛ لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب { ثم جعلنا الشمس عليه } أي : الظل { دليلاً } أي : أن الناس يستدلون بالشمس وأحوالها في مسيرها على أحوال الظل من كونه ثابتاً في مكان أو زائلاً ومتسعاً أو متقلصاً فلو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولولا النور لما عرفت الظلمة ، والأشياء تعرف بأضدادها .