معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

قوله تعالى : { وإذا تولى } . أي أدبر وأعرض عنك .

قوله تعالى : { سعى في الأرض } . أي عمل فيها ، وقيل : سار فيها ومشى .

قوله تعالى : { ليفسد فيها } . قال ابن جريج قطع الرحم وسفك دماء المسلمين .

قوله تعالى : { ويهلك الحرث والنسل } . وذلك أن الأخنس كان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلاً فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم . قال مقاتل : خرج إلى الطائف مقتضياً مالاً له على غريم فأحرق له كدساً ، وعقر له أتاناً ، والنسل : نسل كل دابة والناس منهم ، وقال الضحاك : ( وإذا تولى ) أي ملك الأمر وصار والياً ، ( سعى في الأرض ) قال مجاهد : في قوله عز وجل ( وإذا تولى سعى في الأرض ) قال إذا ولي فعمل بالعدوان والظلم ، أمسك الله المطر وأهلك الحرث والنسل .

قوله تعالى : { والله لا يحب الفساد } . أي لا يرضى بالفساد ، وقال سعيد ابن المسيب : قطع الدرهم من الفساد في الأرض .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

ثم وصفه الله - تعالى - بصفة رابعة فقال : { وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لاَ يُحِبُّ الفساد } .

تولى : من التولية بمعنى الإِدبار والانصراف ، ومتعلق تولى محذوف تقديره : تولى عنك .

وسعى : من السعي وهو المشي السريع وهو مستعار هنا لإِيقاع الفتنة والتخريب . والفساد كما قال الراغب - خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيراً ، ويضاده الصلاح يقال فسد فساداً وفسوداً إذا خرج عن الاستقامة .

والحرث : مصدر يحرث ، أي : أثار الأرض لإعدادها للزراعة ، ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض ، ثم أطلق وأريد به ما يترتب على ذلك من الزروع والثمار وهو المراد هنا .

والنسل : كما يقول القرطبي - ما خرج من كل أنثى من ولد . وأصله الخروج والسقوط ، ومنه نسل الشعر ينسل إذا سقط . ومنه { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } أي : يخرجون مسرعين .

والمعنى : وإذا أعرض هذا النوع من الناس وولاك دبره أسرع في الإِفساد بينهم ، وتفريق كلمتهم ، وإتلاف كل ما يقع تحت يده من الزروع والثمار والحيوان وما به قوام الحياة والأحياء .

فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم ، وعن إيذائه الشديد لهم .

وبعض العلماء يرى أن " تولى " مشتق من الولاية : يقال : ولي البلد وتولاه ، أي صار والياً له ، أميراً عليه . والمعنى على هذا الرأي .

وإذا صار - هذا النوع من الناس - والياً على قوم اجتذبهم إليه ببريق قوله ، وبمعسول لفظه ، وبأيمانه الفاجرة ، ومجادلته الباطلة ، حتى إذا ما التف الناس حوله سعى بينهم بالفساد ، وعمل على تقاطعهم وتباغضهم ، وحكم فيهم بالباطل ، ظناً منه أن هذا الخلق وذلك السلوك سيجعلهم دائماً طوع إرادته .

قال الإِمام الرازي : والقول الأول أقرب إلى نظم الآية ، لأن المقصود بيان نفاق هذا النوع من الناس ، وهو أنه عند الحضور يقول الكلام الحسن ويظهر المحبة ، وعند الغيبة يسعى في إيقاع الفتنة والفساد .

وقوله { والله لاَ يُحِبُّ الفساد } أي لا يرضى عن الذي منه الإِفساد في الأرض ، ويظهر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيء ، لأنه - سبحانه - أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها .

فالجملة الكريمة تحذير منه - سبحانه - للمفسدين ، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته .