فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

وقوله : { وَإِذَا تولى } أي : أدبر ، وذهب عنك يا محمد . وقيل : إنه بمعنى ضلّ ، وغضب ، وقيل : إنه بمعنى الولاية : أي : إذا كان والياً فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض . والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به : السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض ، كقطع الطريق ، وحرب المسلمين ، ويحتمل أن يكون المراد به العمل في الفساد ، وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين ، كالتدبير على المسلمين بما يضرّهم ، وأعمال الحيل عليهم ، وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه ، أو حواسه يقال له سعي ، وهذا هو الظاهر من هذه الآية .

وقوله : { وَيُهْلِكَ } عطف على قوله : { لِيُفْسِدَ } وفي قراءة أبيّ : «وليهلك » . وقرأه قتادة بالرفع . وروى عن ابن كثير : " وَيُهْلِكَ " بفتح الياء وضم الكاف ، ورفع الحرث ، والنسل ، وهي قراءة الحسن ، وابن محيصن . والمراد بالحرث : الزرع والنسل : الأولاد ، وقيل الحرث : النساء . قال الزجاج : وذلك ، لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ، ووقوع القتال ، وفيه هلاك الخلق ، وقيل معناه : أن الظالم يفسد في الأرض ، فيمسك الله المطر ، فيهلك الحرث ، والنسل .

وأصل الحرث في اللغة : الشق ، ومنه المحراث لما يشق به الأرض ، والحرث : كسب المال وجمعه . وأصل النسل في اللغة : الخروج ، والسقوط ، ومنه نسل الشعر ، ومنه أيضاً : { إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] { وهم من كل حدب ينسلون } [ الأنبياء : 96 ] ، ويقال لما خرج من كل أنثى نسل ، لخروجه منها . وقوله : { والله لاَ يُحِبُّ الفساد } يشمل كل نوع من أنواعه من غير فرق بين ما فيه فساد الدين ، وما فيه فساد الدنيا .

/خ207