محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

{ وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد 205 } .

{ وإذا تولى } انصرف عمن خدعه بكلامه { سعى } مشى { في الأرض ليفسد فيها } بإدخال الشبه في قلوب المسلمين ، وباستخراج الحيل في تقوية الكفر ، وهذا / المعنى يسمى فسادا ، كقوله تعالى حكاية عن قوم فرعون : { أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } {[1181]} . أي : يردّوا قومك عن دينهم ويفسدوا عليهم شرعتهم ؛ وسمى هذا المعنى فسادا لأنه يوقع الاختلاف بين الناس ، ويفرق كلمتهم ، ويؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض ، فتنقطع الأرحام ، وتنسفك الدماء . وهذا كثير في القرآن المجيد . { ويهلك الحرث } أي : الزرع . { والنسل } أي : المواشي الناتجة .

قال بعض المحققين : إن إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد ، وإن التعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل ؛ فالمعنى : يؤذي مسترسلا في إفساده ولو أدّى إلى إهلاك الحرث والنسل .

{ والله لا يحب الفساد } أي : لا يرضى فعله .

قال الراغب : إن قيل : كيف حكم تعالى بأنه لا يحب الفساد وهو مفسد للأشياء ؟ قيل : الإفساد في الحقيقة : إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح ، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى ، ولا هو آمر به ، ولا محب له ، وما يُرى من فعله ويظهر بظاهره فسادا فهو بالإضافة إلينا واعتبارنا له كذلك . فأما بالنظر الإلهيّ فكله صلاح ، ولهذا قال بعض الحكماء : يا من إفساده إصلاح ! أي : ما نظنه إفسادا لقصور نظرنا ومعرفتنا فهو في الحقيقة إصلاح ؛ وجملة الأمر : إن الإنسان هو زبدة هذا العالم وما سواه مخلوق لأجله ، ولهذا قال تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض } {[1182]} . والمقصد من الإنسان سوقه إلى كماله / الذي رسّخ له ، فإذن : إهلاك ما أمر بإهلاكه ، لإصلاح الإنسان وما منه أسباب حياته الأبدية . ولشرح هذه الجملة موضع آخر .


[1181]:[7/ الأعراف/ 127] ونصها: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون 127}.
[1182]:[2/ البقرة/ 29] ونصها: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم 29}.