غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ} (205)

204

وإذا تولى عنك وذهب بعد إلانة القول وإحلاء المنطق سعى في الأرض ليفسد فيها كما فعل بأولئك المسلمين من إحراق الزروع وعقر المواشي . وأصل السعي المشي بسرعة ، وقد يستعار لإيقاع الفتنة والتخريب بين الناس . وقيل : لما انصرف من بدر مر ببني زهرة وكان بينه وبين ثقيف خصومة ، فبيتهم ليلاً وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم ، وعلى هذا فيقع قوله { ويهلك الحرث والنسل } تفصيلاً لما أجمله قوله { ليفسد } وقيل : إفساده هو إلقاء الشبه في عقائد المسلمين ، وعلى هذا فيكون إهلاك الحرث والنسل بمعنى آخر . وهذا تفسير مناسب لأن كمال الإنسان بالعلم والعمل ونقصه بضدهما ، فيكون الإفساد إشارة إلى نقص قوّته النظرية والإهلاك عبارة عن فعل المنكرات و فيه نقصان قوّته العملية . وقيل : { وإذا توّلى } أي إذا كان والياً فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل . وقيل : يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل . فالحرث الزرع ، والنسل الولد . ونسلت الناقة بولد كثير ، والتركيب يدل على الخروج . وقيل : إهلاك الحرث قتل النسوان { نساؤكم حرث لكم } [ البقرة : 223 ] وإهلاك النسل إفناء الصبيان { والله لا يحب الفساد } قالت المعتزلة : معناه لا يريد الفساد . وفيه دليل على أنه يريد القبائح وإذا لم يردها لم يخلقها لأن الخلق لا يمكن إلا بالإرادة . ومنع من أن المحبة نفس الإرادة ، بل المحبة عبارة عن مدح الشيء وذكره بالتعظيم . ثم الدليل الدال على أن لا مرجح لأحد جانبي كل ممكن على الآخر إلا الله وإلا انسد باب إثبات الصانع يدل على أن الكل بإرادته ومشيئته ، وقد مر تحقيق ذلك فيما سلف . واعلم أنه سبحانه حكى عن المنافق جملة من الأفعال الذميمة . أولها حسن كلامه في طلب الدنيا ، وثانيها استشهاده بالله كذباً وبهتاناً ، وثالثها لحاجة في إبطال الحق وإثبات الباطل ، ورابعها سعيه في الأرض للإفساد ، وخامسها سعيه في إهلاك الحرث والنسل . فوقع قوله { والله لا يحب الفساد } جمله معترضة .

/خ210