النسل : مصدر : نسل ينسل ، وأصله الخروج بسرعة ومن قولهم : نسل وبر البعير ، وشعر الحمار ، وريش الطائر : خرج فسقط منه ، وقيل : النسل الخروج متتابعاً ، ومنه : نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريشه ، وقال :
والإِطلاق على الولد نسلاً من إطلاق المصدر على المفعول ، يسمى بذلك لخروجه من ظهر الأب ، وسقوطه من بطن الأمّ بسرعة .
{ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } حقيقة التولي الانصراف بالبدن ، ثم اتسع فيه حتى استعمل فيما يرجع عنه من قول وفعل ، ومعناه هنا ، قال ابن عباس : غضب لأنه رجوع عن الرضى الذي كان قبله ، وقال الحسن : انصرف عن القول الذي قاله ، وقال مقاتل ، وابن قتيبة : انصرف ببدنه ، وقال مجاهد : من الولاية ، أي : صار والياً .
والسعي حقيقة المشي بالقدمين بسرعة ، وعلى ذلك حمله هنا أبو سليمان الدمشقي ، وابن عباس ، فيما ذكر ابن عطية عنه ، والمعنى : وإذا نهض عنك يا محمد بعد إلانة القول وحلاوة المنطق ، فسعى بقدميه في الأرض ، فقطع الطريق وأفسد فيها ، كما فعله الأخنس بثقيف .
وقيل : السعي هنا العمل ، وهو مجاز سائغ في استعمال العرب ، ومنه : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن } وقال الشاعر :
كفاني ، ولم أطلب ، قليل من المال
والمعنى : سعى بحيلة وإدارة الدوائر على الإسلام ، وإلى هذا القول نحا مجاهد ، وابن جريج ، وذكر أيضاً عن ابن عباس : والقائلون بهذا القول : قال قوم منهم : معناه سعى فيها بالكفر ، وقال قوم بالظلم .
وقد يقع السعي بالقول ، يقال : سعى بين فلان وفلان نقل إليهما قولا يوجب الفرقة ، ومنه :
في الأرض ، معلوم أن السعي لا يكون إلاَّ في الأرض ، لكن أفاد العموم بمعنى في : أي مكان حل منها سعى للفساد ، ويدل لفظ : في الأرض ، على كثرة سعيه ونقلته في نواحي الأرض ، لأنه يلزم من عموم الأرض تكرار السعي وتقدّم ما يشبهه في قوله : { لا تفسدوا في الأرض }
وإذا كان المراد الأخنس فالأرض أرض المدينة ، فالألف واللام للعهد .
ليفسد فيها ، هذا علة سعيه ، والحامل له على السعي في الأرض ، والفساد ضد الصلاح ، وهو معاندة الله في قوله :
والفساد يكون بأنواع من : الجور ، والقتل ، والنهب ، والسبي ، ويكون : بالكفر .
و : يهلك الحرث ، والنسل ، عطف هذه العلة على العلة قبلها ، وهو : ليفسد فيها ، وهو شبيه بقوله : { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وقوله :
لأن الإفساد شامل يدخل تحته إهلاك الحرث والنسل ، ولكنه خصهما بالذكر لأنهما أعظم ما يحتاج إليه في عمارة الدنيا ، فكان إفسادهما غاية الإفساد .
من فسر الإفساد بالتخريب ، جعل هذا من باب التفصيل بعد الإجمال .
و : يهلك الحرث والنسل ، تقدم ذكر الحرث في قوله : { ولا تسقى الحرث } وتقدم ذكر النسل في الكلام على المفردات ، وعلى ما تقدم من أن الآية في الأخنس ، يكون الحرث الزرع ، والنسل الحمر التي قتلها ، فيكون النسل المراد به الدواب ذوات النسل .
وقيل : المراد هنا بالحرث هنا النساء ، وبالنسل الأولاد ، وقال تعالى : { نساؤكم حرث لكم } وذكره ابن عطية عن الزجاج احتمالاً ، فيكون من الكناية ، وهو من ضروب البيان .
وقرأ الجمهور : ويهلك ، من أهلك .
عطفاً على : ليفسد ، وقرأ أبي : وليهلك ، بإظهار لام العلة ، وقرأ قوم : ويهلك ، من أهلك ، وبرفع الكاف .
وخرج على أن يكون عطفاً على قوله : يعجبك ، أو على : سعى ، لأنه في معنى : يسعى ، وأما على الاستئناف ، أو على إضمار مبتدأ ، أي : وهو يهلك .
وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو حيوة ، وابن محيصن : ويهلك من هلك ، وبرفع الكاف ، والحرث والنسل على الفاعلية ، وكذلك رواه حماد بن سلمة عن ابن كثير ، وعبد الوارث عن أبي عمرو ، وحكى المهدوي أن الذي رواه حماد عن ابن كثير ، إنما هو : ويهلك من أهلك ، وبضم الكاف ، الحرث بالنصب .
وقرأ قوم : ويهلك من هلك ، وبفتح اللام ، ورفع الكاف ورفع الحرث ، وهي لغة شاذة نحو : ركن يركن ، ونسبت هذه القراءة إلى الحسن الزمخشري .
قال الزمخشري : وروي عنه ، يعنى عن الحسن ، ويهلك مبنياً للمفعول ، فيكون في هذه اللفظة ست قراءآت : ويهلك وليهلك ويهلك ، وما بعد هذه الثلاثة منصوب ، لأن في الفعل ضمير الفاعل ، ويهلك ويهلك ويهلك ، وما بعد هذه الثلاثة مرفوع بالفعل ، وهذه الجملة الشرطية إما مستأنفة ، وتم الكلام عند قوله : وهو ألدّ الخصام ، وإما معطوفة على صلة مَنْ أو صفتها ، من قوله : ويعجبك .
{ والله لا يحب الفساد } تقدمت علتان ، والثانية داخلة تحت الأولى ، فأخبر تعالى أنه لا يحب الفساد ، واكتفى بذكر الأولى لانطوائها على الثانية وإن فسرت المحبة بالإرادة ، وقد جاءت كذلك في مواضع منها : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } فلا بد من التخصيص ، أي : لا يحب من أهل الصلاح الفساد ، ولا يمكن الحمل على العموم إذ ذاك على مذهبنا لوقوع الفساد ، فلو لم يكن مراداً لما كان واقعاً .
وقد تعلقت المعتزلة بهذه الآية في أن الله لا يريد الفساد ، فما وقع منه فليس مراد الله تعالى ، ولا مفعولاً له ، لأنه لو فعله لكان مريداً له لاستحالة أن يفعل ما لا يريد ؛ قالوا : ويدل على أن محبته الفعل هي إرادته له ، أنه غير جائز أن يحب كونه ولا يريد أن يكون ، بل يكره أن يكون .
انتهى ما قالوا : وقيل : المعنى والله لا يحب الفساد ديناً ، وقيل : هو على حذف مضاف أي : أهل الفساد ، وقال ابن عباس : المعنى لا يرضى المعاصي ، وقيل : عبر بالمحبة عن الأمر أي : لا يأمر بالفساد .
وقال الراغب : الإفساد إخراج الشي من حالة محمودة لا لغرض صحيح ، وذلك غير موجود في فعل الله تعالى ، وهذه التأويلات كلها هو على ما ذهب إليه المتكلمون من أن الحب بمعنى الإرادة ، قال ابن عطية : والحب له على الإرادة مزية إيثار ، فلو قال أحد : إن الفساد المراد تنقصه مزية الإيثار لصح ذلك إذ الحب من الله تعالى إنما هو لما حسن من جميع جهاته .
وإذا صح هذا اتضح الفرق بين الإرادة والمحبة ، وصح أن الله يريد الشيء ولا يحبه .
وقال بعضهم : سوَّى المعتزلة بين المحبة والإرادة واستدلوا بهذه ، وجمهور العلماء على خلاف ذلك ، والفرق بين الإرادة والمحبة بيِّن ، فإن الإنسان يريد بطىء الجرح ولا يحبه وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة بطل ادّعاؤهم التساوي بينهما ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { ولا يرضى لعباده الكفر } انتهى كلامه .
وجاء في كتاب الله تعالى نفي محبة الله تعالى أشياء ، إذ لا واسطة بين الحب وعدمه بالنسبة إليه تعالى ، بخلاف غيره ، فإنه قد يعرف عنهما فالمحبة ومقابلها بالنسبة إلى الله تعالى نقيضان ، وبالنسبة إلى غيره ضدّان ، وظاهر الفساد يعم كل فساد في أرض أو مال أو دين ، وقد استدل عطاء بقوله : { والله لا يحب الفساد } على منع شق الإنسان ثوبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.