أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ} (30)

{ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا } غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء ، مصدر وصف به . { فمن يأتيكم بماء معين } جار أو ظاهر سهل المأخذ .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ} (30)

إيماءٌ إلى أنهم يترقبهم عذاب الجوع بالقحط والجفاف فإن مكة قليلة المياه ولم تكن بها عيون ولا آبار قبل زمزم ، كما دل عليه خبر تعجب القافلة مِن ( جُرْهم ) التي مرّت بموضع مكة حين أسكنها إبراهيم عليه السلام هاجَر بابنه إسماعيل ففجَّر الله لها زمزم ولمحتْ القافلة الطير تحوم حول مكانها فقالوا : ما عهدنا بهذه الأرض ماء ، ثم حفَر ميمون بن خالد الحضرمي بأعلاها بئراً تسمى بئر ميمون في عهد الجاهلية قُبيل البعثة ، وكانت بها بئر أخرى تسمى الجَفْر ( بالجيم ) لبني تيم بن مُرة ، وبئر تسمى الجَم ذكرها ابن عطية وأهملها « القاموس » و« تاجه » ، ولعل هاتين البئرين الأخيرتين لم تكونا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

فماء هذه الآبار هو الماء الذي أُنذروا بأنه يصبح غوراً ، وهذا الإِنذار نظير الواقع في سورة القلم ( 17 33 ) { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } إلى قوله : لو كانوا يعلمون .

والغور : مصدر غارتْ البئر ، إذا نَزح ماؤها فلم تنله الدلاء .

والمراد : مَاء البئر كما في قوله : { أو يصبح ماؤها غوراً } في ذكر جنة سورة الكهف ( 41 ) .

وأصل الغور : ذهاب الماء في الأرض ، مصدر غار الماء إذا ذهب في الأرض ، والإِخبار به عن الماء من باب الوصف بالمصدر للمبالغة مثل : عَدل ورِضَى . والمعين : الظاهر على وجه الأرض ، والبئر المعينة : القريبة الماء على وجه التشبه .

والاستفهام في قوله : { فمن يأتيكم بماء } استفهام إنكاري ، أي لا يأتيكم أحد بماء مَعِين : أي غير الله واكتفي عن ذكره لظهوره من سياق الكلام ومن قوله قبله { أمَّن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان } [ الملك : 20 ] الآيتين .

وقد أصيبوا بقحط شديد بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو المشار إليه في سورة الدخان . ومن المعلوم أن انحباس المطر يتبعه غور مياه الآبار لأن استمدادها من الماء النازل على الأرض ، قال تعالى : { ألم تَر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } [ الزمر : 21 ] وقال : { وإنَّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإنّ منها لما يشَّقّق فيخرج منه الماء } [ البقرة : 74 ] .

ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما أشار إليه في « الكشاف » مع ما نقل عنه في « بيانه » ، قال : وعن بعض الشُطَّار ( هو محمد بن زكرياء الطبيب كما بينه المصنف فيما نقل عنه ) أنها ( أي هذه الآية ) تُليت عنده فقال : تجيء به ( أي الماء ) الفُؤوس والمَعاول ، فذهب ماء عينيه . نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته . والله أعلم .