أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

{ لا تركضوا } على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال ، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين . { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } من التنعم والتلذذ والإتراف إبطار النعمة . { ومساكنكم } التي كانت لكم . { لعلكم تسئلون } غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

يحتمل قوله تعالى : { لا تركضوا } إلى آخر الآية أن يكون من قول رجال بختنصر على الرواية المتقدمة فالمعنى على هذا أنهم خدعوهم واستهزؤوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم لا تفروا { وارجعوا } إلى مواضعكم { لعلكم تسألون } صلحاً أو جزية أو أمراً يتفق عليه ، فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادي فيهم يا لثارات النبي المقتول فقتلوا بالسيف عن آخرهم ع ، هذا كله مروي ، ويحتمل أن يكون { لا تركضوا } إلى آخر الآية من كلام ملائكة العذاب ، على التأويل الآخر أن الآيات وصف قصة كل قرية وأنه لم يرد تعيين حصورا ولا غيرها ، فالمعنى على هذا أن أهل هذه القرية كانوا باغترارهم يرون أنهم من الله تعالى بمكان وأنه لو جاءهم عذاب أو أمر لم ينزل بهم حتى يخاصموا أو يسألوا عن وجع تكذيبهم لنبيهم فيحتجون هم عند ذلك بحجج تنفعهم في ظنهم ، فلما نزل العذاب دون هذا الذي أملوه وركضوا فارين نادتهم الملائكة على وجه الهزء بهم { لا تركضوا وارجعوا } { لعلكم تسألون } كما كنتم تطمعون بسفه آرائكم ، ثم يكون قوله { حصيداً } أي بالعذاب تركضوا كالحصيد ، و «الإتراف » التنعيم .

قال بعض الناس { تسألون } معناه تفهمون وتفقهون . قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ .

وقالت فرقة { تسألون } معناه شيئاً من أموالكم وعرض دنياكم على وجه الهزء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ} (13)

جملة { لا تركضوا } معترضة وهي خطاب للراكضين بتخيل كونهم الحاضرين المشاهَدين في وقت حكاية قصتهم ، ترشيحاً لمِا اقتضى اجتلاب حرف المفاجأة وهذا كقول مَالك بن الرّيب :

دعَاني الهوى من أهل وُدي وجيرتِي *** بذِي الطبَسيْن فالتفتُّ ورائيا

أي لما دعاه الهوى ، أي ذكّره أحبابَه وهو غازٍ بذي الطّبسين التفتَ وراءه كالذي يدعوه داع من خلفه فتخيل الهوى داعياً وراءه .

وتكون هذه الجملة معترضة بين جملة { فلما أحسوا بأسنا } وبين جملة { قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين } .

ويجوز جعل الجملة مقول قول محذوف خوطبوا به حينئذ بأن سمعوه بخلق من الله تعالى أو من ملائكة العذاب . وهذا ما فسر به المفسرون ويبعده استبعادُ أن يكون ذلك واقعاً عند كل عذاب أصيبت به كل قرية . وأياً ما كان فالكلام تهكم بهم .

والإتراف : إعطاء الترف ، وهو النعيم ورفه العيش ، أي ارجعوا إلى ما أعطيتم من الرفاهية وإلى مساكنكم .

وقوله تعالى { لعلكم تسألون } من جملة التهكم . وذكر المفسرون في معنى { تُسألون } احتمالات ستة . أظهرها : أن المعنى : ارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعيم لتروا ما آل إليه فلعلكم يسألكم سائل عن حال ما أصابكم فتعلموا كيف تجيبون لأن شأن المسافر أن يسأله الذين يقدَم إليهم عن حال البلاد التي تركها من خصب ورخاء أو ضد ذلك ، وفي هذا تكملة للتهكم .