نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (61)

ولما هوّن سبحانه أمر الرزق بخطابه مع المؤمنين بعد أن كان قد أبلغ في تنبيه الكافرين بإيضاح المقال ، وضرب الأمثال ، ولين المحاورة في الجدال ، ولما كان الملك لا يتمكن غاية التمكن من ترزيق من في غير مملكته ، قال عاطفاً على نحو : فلئن سألتهم عن ذلك ليصدقنك عائداً إلى استعطاف المعرضين ، واللطف بالغافلين ، ناهجاً في تفنين الوعظ أعني طرق الحكمة ، فإن السيد إذا كان له عبدان : مصلح ومفسد ، ينصح المفسد ، فإن لم يسمع التفت إلى المصلح ، إعراضاً عنه قائلاً : هذا لا يستحق الخطاب ، فاسمع أنت ولا تكن مثله ، فكان قوله متضمناً نصح المصلح وزجر المفسد ، ثم إذا سمع وعظ أخيه كان ذلك محركاً منه بعد التحريك بالإعراض والذم بسوء النظر لنفسه وقلة الفطنة ، فإذا خاطبه بعد هذا وجده متهيئاً للقبول ، نازعاً إلى الوفاق ، مستهجناً للخلاف : { ولئن سألتهم } أي المؤمن وغيره ، وأغلب القصد له : { من خلق السماوات والأرض } وسواهما على هذا النظام العظيم { وسخر الشمس والقمر } لإصلاح الأقوات ، ومعرفة الأوقات ، وغير ذلك من المنافع .

ولما كان حالهم في إنكار البعث حال من ينكر أن يكون سبحانه خلق هذا الوجود ، أكد تنبيهاً على أن الاعتراف بذلك يلزم منه قطعاالاعتراف بالبعث فقال : { ليقولن الله } أي الذي له جميع صفات الكمال لما قد تقرر في فطرهم من ذلك وتلقفوه عن أبائهم موافقة للحق في نفس الأمر .

ولما كان حال من صرف الهمة عنه عجباً يستحق أن يسأل عنه على وجه التعجب منه إشارة إلى أنه لا وجه له ، قال { فأنى } أي فكيف ومن أي وجه { يؤفكون* } أي يصرف من صارف ما من لم يتوكل عليه أو لم يخلص له العبادة في كل أحواله ، وجميع أقواله وأفعاله ، عن الإخلاص له مع إقرارهم بأنه لا شريك له في الخلق فيكون وجهه إلى قفاه فينظر الأشياء على خلاف ما هي عليه فيقع في خبط العشواء وحيرة العجباء .