ولما تبين بهذا الآيات أن الدنيا مبنية على الفناء والزوال ، والقلعة والارتحال ، وصح أن السرور بها في غير موضعه فلذلك قال تعالى مشيراً بعد سلب العقل عنهم إلى أنهم فيها كالبهائم يتهارجون : { وما هذه الحياة الدنيا } فحقرها بالإشارة ولفظ الدناءة مع الإشارة إلى أن الاعتراف بهذا الاسم كافٍ في الإلزام بالاعتراف بالأخرى .
ولما كان مقصود السورة الحث على الجهاد والنهي عن المنكر ، وكان في معرض سلب العقل عنهم ، قدم اللهو لأن الإعراض عنه يحسم مادة الشر فإنه الباعث عليه فقال : { إلا لهو } أي شيء يلهي عما ينفع { ولعب } يشتغل به صبيان العقول ، وكل غافل وجهول ، فإن اللهو كل شيء من شأنه أن يعجب النفس كالغناء والزينة من المال والنساء وغيره ، فيحصل به فرح وزيادة سرور ، فيكون سبباً للغفلة والذهول والنسيان والشغل عن استعمال العقل في اتباع ما ينجي في الآخرة فينشأ عنه الضلال - على ما أشارت إليه آية لقمان
{ ليشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله }[ آية : 6 ] ومنه اللعب ، وهو فعل ما يزيد النفس في دنياها سروراً كالرقص بعد السماع وينقضي بسرعة لأنه ضد الجد ومثل الهزل ، وهو كل شيء سافل ، وكل باطل يقصد به زيادة البسط والترويح والتمادي في قطع الزمان فيما يشتهي من غير تعب ، واللعبة - بالضم : التمثال ، وما يلعب به كالشطرنج ، والأحمق يسخر به ، ولعب لعباً : مرح ، وفي الأمر والدين : استخف به .
ولما كانوا ينكرون الحياة بعد الموت ، أخبر على سبيل التأكيد أنه لا حياة غيرها فقال : { وإن الدار الآخرة لهي } أي خاصة { الحيوان } أي الحياة التامة الباقية العامة الوافية نفسها من حيث أنه لا موت فيها ولا فناء لشيء من الأشياء ، ولذلك اختير هذا البناء الدال على المبالغة ، وحركته مشعرة بما في الحياة من مطلق الحركة والاضطراب ، فلا انقضاء لشيء من لعبها ولا لهواها الذي لا يوافق ما في الدنيا إلا في الصورة فقط لا في المعنى ، لأنه ليس فيها شيء سافل لا في الباعث ولا في المبعوث إليه ، بل كل ذلك بالتسبيح والتقديس وما يترتب عليه من المعارف والبسط والترويح ، والانشراح والأنس والتفريح .
ولما كانوا قد غلطوا في الدارين كلتيهما فأنزلوا كل واحدة منهما غير منزلتها ، فعدوا الدنيا وجوداً دائماً على هذا الحالة والآخرة عدماً ، لا وجود لها بوجه ، قال : { لو كانوا } أي كوناً هو كالجبلة { يعلمون* } أي لهم علم ما لم يغلطوا في واحدة منهما فلم يركبوا مع إيثارهم للحياة وشدة نفرتهم من الموت ، لا عتقادهم أن لا قيام بعده إلى الدنيا ، مع أن أصلها عدم الحياة الذي هو الموتان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.