نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ} (58)

ولما كان التقدير : فالذين آمنوا فلبسوا إيمانهم بنوع نقص لننقصنهم في جزائهم ، والذين كفروا لنركسنهم في جهنم دركات تحت دركات فبئس مثوى الظالمين ، ولكنه لما تقدم ذكر العذاب قريباً ، وكان القصد هنا الترغيب في الإيمان كيفما كان ، طواه ودل عليه بأن عطف عليه قوله : { والذين آمنوا وعملوا } أي تصديقاً لإيمانهم { الصالحات } أي كلها .

ولما كان الكفار ينكرون البعث ، فكيف ما بعده ، أكد قوله : { لنبوئنهم } أي لنسكننهم في مكان هو جدير بأن يرجع إليه من حسنه وطيبه من خرج منه لبعض أغراضه ، وهو معنى { من الجنة غرفاً } أي بيوتاً عالية تحتها قاعات واسعة بهية عالية ، وقريب من هذا المعنى قراءة حمزة والكسائي بالثاء المثلثة من ثوى بالمكان - إذا أقام به .

ولما كانت العلالي لا تروض إلا بالرياض قال : { تجري } ولما كان عموم الماء لجهة التحت بالعذاب أشبه ، بعضه فقال : { من تحتها الأنهار } ومن المعلوم أنه لا يكون في موضع أنهار ، إلا كان به بساتين كبار ، وزروع ورياض وأزهار - فيشرفون عليها من تلك العلالي .

ولما كانت بحالة لا نكد فيها يوجب هجره في لحظة ما ، كنى عنه بقوله : { خالدين فيها } أي لا يبغون عنها حولاً ؛ ثم عظم أمرها ، شرف قدرها ، بقوله : { نعم أجر العاملين }