نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ} (65)

ولما ختم هذه الآية بما أفهم أنهم لا يعلمون ، والتي قبلها بأن أكثرهم لا يعقلون ، سبب عن ذلك قوله : { فإذا } أي فتسبب عن عدم عقلهم المستلزم لعدم علمهم أنهم إذا { ركبوا } أي البحر { في الفلك } أي السفن { دعوا الله } أي الملك الأعلى المحيط بكل شيء إذا أصابتهم مصيبة خافوا منها الهلاك { مخلصين } بالتوحيد { له الدين* } بالإعراض عن شركائهم بالقلب واللسان ، لما هم له محققون أنه لا منجى عند تلك الشدائد غيره { فلما نجّاهم } أي الله سبحانه ، موصلاً لهم { إلى البر إذا هم } أي حين الوصول إلى البر { يشركون* } فصح أنهم لا يعلمون ، لأنهم لا يعقلون ، حيث يقرون بعجز آلهتهم ويشركونها معه ، ففي ذلك أعظم التهكم بهم ؛ قال البغوي : قال عكرمة : كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام ، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب ! يا رب .

وقال الرازي في اللوامع : وهذا دليل على أن معرفة الرب في فطرة كل إنسان ، وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء - انتهى . فعلم أن الاشتغال بالدنيا هو الصادّ عن كل خير وأن الانقطاع عنها معين للفطرة الأولى المستقيمة ، ولهذا نجد الفقراء أقرب إلى كل خير .